تحليل

إنعدام الإستثمارات الأجنبية في العراق وإقليم كوردستان

25-06-2024


المقدمة

يتم الحديث يوميا في العراق وإقليم كوردستان عن مشاريع بتكلفة ملايين الدولارات حيث ان المستثمرين الأجانب اظهروا كامل إستعدادهم للإستثمار في تلك المشاريع، لكن في الحقيقة تلك المشاريع هي فقط  اسماء. حتى تلك التي تم توقيع عقودها بالفعل وجهزت تصاميمها حيث مضى عليها سنوات ولم يتم تنفيذها مثل مشروع ميناء الفاو، إتفاقية توتال انيرجي، بناء مقر البنك المركزي العراقي ومشروع هابي ستي الصيني في إقليم كوردستان. من المحتمل ان يكون رأس مال المشاريع في العراق قد تخطى مئات مليارات الدولارات وفي إقليم كوردستان عشرات مليارات الدولارات، لكن تلكل المشاريع لم تتخطى مرحلة الإتفاقيات والعقود الورقية ولم يتم إنجازها على ارض الواقع.

بحسب تقرير الإستثمار العالمي الصادر من الأمم المتحدة (UNCTAD)  في عام 2023، كانت الإستثمارات الأجنبية في العراق سالبا منذ عام 2013 ايضا منذ عام 2013 انخفضت الإستثمارات الأجنبية في إقليم كوردستان.

انخفاض الإستثمارات الخارجية والأجنبية في العراق وإقليم كوردستان يعني بالتالي إنخفاض القوى العاملة ودخول العملات الأجنبية وخروج اموال المستثمرين المحليين،  وعدم تنفيذ مشاريع استراتيجية وطويلة المدى للمستقبل. هنا سنقف قليلا عند تصفير وعدم إكمال المشاريع الإستثمارية من خلال عرض بيانات حول الإستثمارات الأجنبية في العراق وتوجه الإستثمار في إقليم كوردستان.

سالبية الإستثمارات الأجنبية وقصة المشاريع الكبرى في العراق

يخصص سنويا عشرات التريليونات للإستثمار في العراق، وابرزهم موازنة الثلاثة اعوام، حيث كان من المفترض ان ينفق العراق في القطاعات الإستثمارية المختلفة مبلغ 38.2 تريليون دينار، لكن بحسب تقرير نهاية العام لوزارة المالية تم فقط صرف 24.1 تريليون دينار للإستثمار وكان 12 تريليون منها في آخر شهر السنة.

ايضا التوجه الى الإستثمار في الخارج وإنخفاض نسبة الإستثمارات الأجنبية داخل البلاد في العشرة اعوام الماضية جعلت اوجه الإستثمار الأجنبي سلبيا. فبحسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2013 حتى عام 2022 كانت الأرقام تحت الصفر واكثر من 2 تريليون دينار. وهذا يعني أن الأموال التي خرجت كرأسمال استثماري تجاوزت الأموال التي دخلت كرأس مال استثماري في العراق والتي تخطت 10 ترليون دينار كما هو موضح في الرسم البياني(1).

الرسم البياني(1): الإستثمارات الأجنبية في العراق 2006-2022

المصدر: الإستثمارات الخارجية المباشرة FDI للأمم المتحدة (UNCTAD) في 18-06-2024

يتم توقيع عشرات المشاريع الكبرى والاتفاقيات المشتركة الجديدة في العراق كل عام، لكن نادرا ما نرى مشاريع تنفذ، هذا على الرغم من أن الإتفاقيات يتم توقيعها ثلاث مرات في السنة أو تمول من الموازنة العامة، وابرزها بغداد التي ورد ذكرها في عام 2007 و2013 و2020 في موازنة مشروع تطوير بغداد وفي موازنة 2022 تم تخصيص 2 مليار دولار وفي موازنة تنمية بغداد 2023 خصص مرة أخرى 913 مليار دينار وهذا العام تم نشر تصميم المشروع.

قصة أخرى مثيرة للاهتمام من المشاريع الكبرى هي مشروع أو مبنى البنك المركزي العراقي الجديد وهو المشروع الأبرز ويعكس الطابع المالي ومصدر المال للعراق،  حيث تم الانتهاء من التصميم في عام 2012، ولكن بدأ البناء  في عام 2018 ذلك كان بعد وفاة المصممة وكان من المقرر الانتهاء منه في عام 2023، ولكن العمل لا يزال مستمرا وما عدا التعديل الكبير الذي طرأ على التصميم الأساسي أثناء التنفيذ.

وفي عام 2019، فازت شركة دايو بمشروع ميناء الفاو لبناء أحد أكبر الموانئ في البلاد، والذي كان من المقرر أن يكتمل خلال أربع سنوات، لكن بعد مرور اربع سنوات صرح وزير النقل العراقي ان 60% من المشروع قد اكتمل ويتم الحديث الآن عن إكمال الجزء المتبقي.

قبل عام وشهرين، في 5 نيسان/أبريل 2023، أي بعد عامين، أعلنت شركة توتال الفرنسية أنها اجرت إتفاقية لاستثمار 10 مليارات دولار في بناء وتطوير البنية التحتية للطاقة في العراق، نصت اتفاقية 6 سبتمبر 2021 بين شركة توتال للطاقة والحكومة العراقية على رأس مال قدره 27 مليار دولار.

لكن بموجب الاتفاق الجديد، ستحصل توتال إنرجي على حصة 45 %، وقطر للطاقة على حصة 25 %، وشركة البصرة على حصة 30 % في الاستثمار الذي يسعى إلى إنهاء حرق الغاز المصاحب في ثلاثة حقول نفط عراقية، وإنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 1 جيجاوات في البصرة وتنفيذ مشروع جديد لاستخدام مياه البحر بدلا من المياه العذبة أثناء إنتاج النفط في العراق، لكن في أبريل من هذا العام، تم توقيع اتفاقية للمرة الثالثة بين شركة توتال للطاقة ووزارة الكهرباء لبناء  جيجاوات واحد من الكهرباء الشمسية، وليس البدء بالتنفيذ فعليا!

نصف الاستثمارات الأجنبية في إقليم كوردستان لم يتم وضع حجر الأساس لها بعد

منذ عام 2006، استقبل إقليم كوردستان استثمارات بقيمة 69.2 مليار دولار في 1225 مشروعاً في 13 قطاعاً مختلفاً. وبلغ توزيع المشاريع خلال الفترة 1151 مشروعاً برأسمال 57.9 مليار دولار محلياً في حال اكتمالها، و46 مشروعاً فقط لمستثمرين أجانب برأسمال 10 مليارات دولار،وتم الترخيص لثمانية وعشرين مشروعاً لمشاريع مشتركة بين مستثمرين محليين وأجانب برأسمال قدره 1.3 مليار دولار. واللافت هو الاستثمار الاجنبي في اقليم كوردستان والذي يشكل 14.5% من اجمالي رأس المال الاستثماري ولكن نصف هذا الاستثمار لم يضع بعد حجر الاساس له، الذي كان مشروع هابي ستي الصينية، وبحسب تصريحات حينها، كان من المفترض أن يتم الانتهاء من المشروع بحلول نهاية العام المقبل.

وكانت قصة هابي ستي في الاستثمار الأجنبي وتدفق العملات الأجنبية إلى إقليم كوردستان نقطة تحول رئيسية،وبحسب هيئة الاستثمار، أصبحت الصين أول دولة تستثمر 4.9 مليار دولار في إقليم كوردستان.

في الواقع، على الرغم من أن حجر الأساس للمشروع لم يتم وضعه بعد، لكن هكذا بدأ في سبتمبر 2020، قدم مستثمر صيني مقترحًا يسمى هابي ستي بقيمة 4.9 مليار دولار إلى هيئة استثمار أربيل، وبعد شهر أعلنت القنصلية الصينية تفاصيل المشروع، قائلة: "قدمت شركة بكين الاستثمارية في الصين مشروعًا يسمى Happy City، وهو منتجع سياحي ثقافي في أربيل عاصمة إقليم كوردستان". وتبلغ المساحة المخططة للمشروع 5 ملايين متر مربع، خصصت له 5 مليارات دولار ويهدف المشروع إلى استيعاب 15 مليون سائح سنويا ويستوعب  اقامة أكثر من 80 ألف شخص فيه. كما سيخلق 8,000,000 فرصة عمل مباشرة والعديد من فرص العمل غير المباشرة لمساعدة أربيل على أن تصبح مركزًا سياحيًا في العراق وحتى واجهة الشرق الأوسط، تتكون هابي ستي من 1001 مدينة ألعاب وأكوا بارك وفندق مسطح وشارع تجاري وفلل وشقق كبيرة مع مركز رياضي ومركز خدمات ومرافق مثل محلات السوبر ماركت والمدارس والمستشفيات وغيرها الكثير.

ثم في 8 يونيو 2021، ظهر صاحب مشروع المدينة السعيدة وقال: "سيبدأ المشروع في أقرب وقت ممكن"، ولكن بعد شهر، في 10 يوليو 2021، قالت هيئة الاستثمار في اربيل : "سيوضع حجر الأساس للمشروع قريبا ولا يزال المشروع يتضمن بعض التعويضات للمزارعين والمقيمين” في هذه الأثناء، أعلن ني روتشي، القنصل الصيني السابق في إقليم كوردستان، في 30 أيلول/سبتمبر 2021، أن "مشروع المدينة السعيدة، أكبر مشروع سياحي في الشرق الأوسط، سيتم إطلاقه قريبا"، ولكن بعد مرور 3 اعوام لا شيء موجود على ارض الواقع.

الرسم البياني(2): الإستثمار المحلي، الأجنبي والمشترك في 2006-2024 في إقليم كوردستان

المصدر: هيئة الإستثمار، المديرية العامة للبحوث والمعلومات، مديرية المعلومات، حالة المشاريع الحاصلة على التراخيص المعمول بها من 1-8-2006 إلى 2-5-2024  

الخاتمة

هناك قصص كثيرة لمشاريع كبرى في العراق تم التوقيع عليها ووضع حجر الأساس وبدأ التنفيذ، لكنها لم تكتمل. ورغم أنه يبدو في البداية أن نتائج المشاريع ترجع إلى اختلاف المصالح، إلا أن أحد هذه المشاريع هو خط السكة الحديدية بين العراق وإيران، والذي كان من المفترض أن يكون من السهل جدًا إكماله،لذلك قرروا الانتهاء من المشروع خلال 18 شهراً، لكن نصف ذلك الوقت مر ولم يتوصلوا بعد إلى اتفاق نهائي للعمل في المشروع.

وناقشت زيارات أردوغان إلى بغداد وأربيل، خلال الأشهر الأخيرة، توقيع اتفاقية ربط الشرق بالغرب عبر العراق وتركيا، المعروفة بمشروع طريق التنمية الذي يبلغ 1190 كيلومترا،في حين يبلغ طول خط سكة حديد البصرة - الشلامجة (الأهواز) 30 كيلومتراً فقط ولا تستطيع عشرات المصالح المحلية والأجنبية معارضته لكن مشروع طريق التنمية ، المئات من المصالح المحلية والأجنبية تلعب دوراً في وضع حجر على حجر بالإضافة إلى توقيع الاتفاقيات.

وفي العراق وإقليم كوردستان، يرتبط هذا الاتجاه لانخفاض الاستثمار الأجنبي بالمشاكل الأمنية الكبرى وعدم الاستقرار،ووجود قوى مسلحة خارجية، وافتقار إلى أنظمة مصرفية قوية وضعف المؤسسات التنفيذية، ولكن يجب ألا نتجاهل حقيقة أن الاستثمار الأجنبي قد انخفض في جميع أنحاء العالم خلال العقد الماضي، حيث انخفض ​​الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي من 2 تريليون دولار في عام 2015 إلى 1.2 تريليون دولار في عام 2022.

Share this Post

تحليل