تحليل

انتخابات بدون الصدر!

14-08-2023


بعد أكثر من 10 سنوات على انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، التزمت الحكومة السودانية بإجراء انتخابات المجالس في 18 ديسمبر 2023، في ضوء جدول أعمالها الوزاري الذي أقره البرلمان في أكتوبر 2022، وفقًا للمفوضية العليا للانتخابات حاليًا، 294 حزبًا و. أعرب 31 ائتلافا، تم تسجيل 21 منها أول مرة مستعدين للمشاركة، بينما يحاول 65 حزبا آخر الحصول على إذن للمشاركة.

عدّ الانتخابات المتأخرة، التي تغطي 15 محافظة وَسَط وجنوب فقط، من أهم المراحل سواء لرسم خريطة الشوارع السياسية في العراق ولسد الفجوة التي أحدثها حل المجالس المحلية بعد مظاهرات 2019 المواعيد القانونية واتهامات بالفساد. . وبعد تشكيل حكومة الإطار التنسيقي ستكون الانتخابات استفتاءً شعبياً على موقع الجبهة الشيعية الحالية وحدها في السلطة. داخل هذه الجبهة، يظهر وزن وحجم القطبين المتعارضين ضد بعضهما البعض

قرار الإطار التنسيقي الشيعي هو الدخول في العملية بقوائم مختلفة (باستثناء كركوك). وبحسب الهيئة، فقد تم تسجيل نحو أربع قوائم رئيسية في الإطار الشيعي، أقطابها الرئيسية المالكي والحكيم والعامري والخزعلي, و بمُوْجب بيان رسمي الذي صدر من الإطار التنسيقي فأن قرار دخول إلى الانتخابات بقوائم متعددة هو قرار فني, لكن في الحقيقة لا يمكن تجاهل أن دخول الأطار التنسيقي بقوائم أنتخابية متعددة يؤكد حقيقة أن هذه الجبهة، وإن بدت متحدة ظاهريًا، إلا أنها لا تستطع أن تنكر حقيقة أن فكرة الإطار التنسيقي كانت تجمعًا إجباريًا ومؤقتًا لمحاربة تهديد صعود الصدر, ، وخلال هذا العام بعد أن تسنموا سلطة وشكلوا الحكومة لم يتمكنوا من إنهاء الخلافات و تحويل الأطار التنسيقي إلى تحالف سياسي و أنتخابي متمسك.

فيما قرر محمد الشياع السوداني متمثلاً بتيار الفراتين، الذي فاز بمقعدين في البرلمان عام 2021، عدم المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، على الرغْم أن رؤساء الوزراء السابقين (مصطفى كاظمي وعادل عبد المهدي) فعلوا الشيء نفسه. إلا أن عدم مشاركة السوداني في الانتخابات يعود إلى الأحزاب الشيعية لأنها غير مرتاحة لرئيس الوزراء الذي لديه موازنة ثلاث سنوات (2023، 2024، 2025)، وأعين وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، للتنافس معهم وله قائمته الخاصة. كما يمكن تفسير قرار عدم مشاركة هو حماية و حفاظ على نفسه من الهزيمة أو نتيجة ضعيفة، حيث إن حركته ليست شعبية، وبذلك يحافظ على فرصه في الترشح لولاية رئاسة الوزراء المقبلة.

السؤال الأكبر بعد القرار السوداني هو كيف سيشارك التيار الصدري في الانتخابات، بعد انسحابهم من البرلمان في يونيو 2022، تاركين المجال لخصومهم. من الناحية العملية، لم يجرِ الصدر بعد أي استعدادات أو ردود أفعال على إجراءات الانتخابات. من الواضح أن قرار المشاركة ومقاطعة تيار الصدري يعود لمقتدى الصدر زعيم الحركة حصراً. من جانبه في الأشهر و الأسابيع الماضية لم يتخذ مقتدى الصدر أي موقفا من عمل البرلمان أو الانتخابات أو الحكومة، وهناك شائعات تقول بأنه لم يسمح لمساعديه بمناقشة الأمر معه.

أولئك الذين كانوا حلفاء الصدر السابقين (يسار و المدنيون) تخلوا عن انتظاره بعد تجربة فاشلة، في حين أن ألآخرين القلقين من صعود الإطار الشيعي يعتقدون أن غياب الصدر هو "خطأ كبير"، فقد زادوا مقاعدهم في البرلمان إلى 130, ومن ناحية أخرى، أن غياب التيار في مشهد السياسي سيزيد من إضعاف التيار وقواعدها الشعبية حريصة على العودة إلى المشاركة السياسية.  كما يسود اعتقاد بأنه مع أنّ محاولات تقليص دورها ونفوذها فهم لا يزالون حلقة وصل مهمة في الحكم وإنفاق الميزانية وتنفيذ المشروعات ومراقبة المحافظين، وإهمالهم ومقاطعتهم سيكون له عواقب سلبية على الصدر وعلى العملية السياسية برمتها والتوازن في الشارع الشيعي.

تصر الحكومة على إجراء الانتخابات في وقت لاحق من هذا العام، والمفوضية مستمرة في التحضير، لكن لا تزل هناك شكوك حول العملية في موعدها المحدد، بسبب موقف الصدر غير الواضح، لأن الأحزاب الشيعية لا ترد أن يبقى الصدر خارج عملية المالكي أيضًا. ، يعتقد أن الانتخابات ستؤجل في نهاية المطاف إلى الربيع المقبل من أجل الصدر، خاصة أنه لا توجد بوادر على استعداد الصدر للمشاركة. إذا أجريت الانتخابات دون الصدر، فإن المنافسين الشيعة سيجنون الثمار ويقسمون مقاعد المحافظات الشيعية فيما بينهم، كما فعلوا في البرلمان على 73 مقعدًا لنواب هذه الحركة, مما سيكون الحكومة الحالية و البرلمان و مجالس المحافظات مسيطرة عليها تماماً من قبل الأطار التنسيقي, تكون المواجهة والتنافس الحقيقي بين الطرفين. تؤجَل حتى الانتخابات العامة المقبلة.

وبينما كان الصدر بعيدًا عن العملية السياسية، ظهر بشكل أكبر كقائد وفقيه شيعي، حيث كان يفسر أحيانًا القرآن والنصوص، ويدعو أحيانًا إلى اتخاذ مواقف بشأن القضايا الدينية، وجميع أنشطته وظهوره ومواقفه بشأن القضايا الدينية المتعلقة بمناهضة – المثلية الجنسية والدفاع عن القرآن وحصره في إحياء الشعائر الشيعية من محرم. إذا اتخذ عدة خطوات لتحقيق حلمه في أن يصبح مجتهدًا وأن يصبح المرجع لحركته، فيمكنه بسهولة التعويض عن الأضرار والعواقب السيئة للانسحاب من العملية السياسية، لأن المشاكل الحالية للتيار الصدري هي مشكلة. الفراغ الديني وغياب المرجع التقليدي عن المشاركة في العملية السياسية، خاصة بعد انسحاب آية الله الحاري من إصدار الفتاوى وعمل المرجع. إذا فتح الصدريين هذه العقدة الكبيرة خلال هذه المدّة وفي هذا التوقع، فسيظل بإمكانهم الاستفادة ويمكنهم العودة إلى العملية السياسية متى شاءوا والتعويض عن الضرر الذي قد يلحقونه بمقاطعة الانتخابات.

Share this Post

تحليل