بعد الإعلان عن النتائج البدائية لإنتخابات مجالس محافظات العراق في 18 ديسمبر 2023 يمكن ان تكون توقعات قبل الإنتخابات قد ثبتت بشكل اكبر لحين المفاجآت والإعلان عن التأثيرات الجديدة يمكننا من خلال المواضيع التالية التأشير لبعضها:
- سلسلة نزول مستوى ومعدل المشاركة في الإنتخابات مستمرة على نفس نهج الاربعة جولات الماضية، على هذا الاساس:
في إنتخابات 2005: 76% ، في 2010: 62% ، في2014: 61%، في 2018: 44%، في 2021: 43% وفي هذه الإنتخابات اعلن عن مشاركة 41% بشكل رسمي، لكن النسبتين الاخيرتين لا تمثلان صوت الناخبين الحقيقيين، عدد الذين يحق لهم التصويت كان 24 ملايين و667 الف مصوت، لكن الذين شاركوا فعليا في الإنتخابات كان عددهم 6 ملايين و 599 الف شخص، ويشكلون 26.7% من إجمالي الذين يحق لهم التصويت، اذن كانت نسبة الذين اضربوا عن المشاركة 73.3%.
تفوق الشيعة على انفسهم، فهذه المرة الاولى التي يتنافسوا فيها بينهم بإئتلاف سياسي كبير والذي هو الإطار الشيعي في 13 محافظة وثم يتحدوا. وفي المنافسة تم ترشيح شخصيات إجتماعية مؤثرة للإستفادة من مكانتهم، بالرغم من ان العملية محلية لم تكن للدعاية الإنتخابية والبرنامج الإنتخابي تأثيرا، بل كانت للوعود المتعلقة بتوزيع الاراضي والإمتيازات والتعينات الحكومية دورا كبيرا، والذي سيكون عبء على الحكومة في المرحلة القادمة. ايضا سيرفع ذلك توقعات وطموح الناس ويمكنه ان يأثر سلبا على ثقة المواطنين في إنتخابات 2025.
ظهر ان الصدر وهو المنافس الاقوى للإطار الشيعي، غير آلية عمله من المنافسة الإنتخابية الى محاولة تدمير واخذ مكانتهم في العملية السياسية. لم يكن الصدر مستعدا لتجميل العملية السياسية بعباءة الإنتخابات، مما اغضب منافسيه بعمق، لأن المصوتون في الإنتخابات كانوا فقط الجماهير المستفيدة من السياسيين والقوائم ولا يمثلون الرأي العام وبإمكان الصدر الإستفادة من "الاغلبية الصامتة" الذين لم يشاركوا في الإنتخابات.
في هذه الإنتخابات تفوق مجموعة من المحافظين الذين لم يشاركو من خلال قوائم، منهم محافظ الانبار، الكوت (واسط)، كربلاء، وابرزهم كان اسعد العيداني، محافظ البصرة والذي استطاع كسب 12 مقعد من اصل 22 مقعد للمحافظة لصالح قائمته "تحالف تصميم" ايضا هو كمرشح استطاع الحصول على 156 الف و 470 صوت والذي يعتبر رقماً قياسياً، ذلك في حين ان محافظ بغداد حصل على 3 آلاف صوت فقط من اصوات سكان بغداد التسع ملايين. ويظهر ذلك المؤشر ان خطاب الخدمات على وشك ان يصبح مثل منافسة الخطاب السياسي والمذهبي. هذه الحالة صحيحة ايضا بالنسبة لنجم الجبوري محافظ نينوى، وهذه الحالة اثبتت ان المحافظ التنفيذي اهم من المحافظ السياسي.
على الصعيد الداخلي الشيعي النتائج التي حصل عليها المالكي لم تكن مثل ما كان متوقع. هذا بالرغم من عدم مشاركة الصدريين الذين هم المنافسين الرئيسيين لقائمته. ايضا تظهر النتائج ان بالرغم من حصول دولة القانون على اكثر من 530 الف صوت في الإنتخابات ، لكن في بغداد والبصرة حصلت على المرتبة الثالثة، لم يتمكن بالوصول الى قائمة الحلبوسي في العاصمة، فقط في محافظة المثنى (ذات الاغلبية الفقيرة) حصلت على المركز الاول، بالمقابل خسرت محافظة كربلاء والتي تعتبر مكانة القائمة هناك مكانة تاريخية منذ عام 2005.
في المعادلة الشيعية القائمة المشتركة بين الحكيم – العبادي تحت إسم "قوى الدولة" عوضوا قليلا من إنكسار 2021 بالحصول على 23 مقعد وسموا ذلك بإسترجاع المكانة لكن لن يجعلهم ذلك رقماً كبيراً ضمن 275 مقعد، في ظل غياب الصدريين عن الميدان. هذا الإئتلاف حصل على المركز الثاني فقط في محافظة واحدة وحصلوا على المركز الثالث في محافظتين اخرتين، عدد الاصوات تقريبا 308 الف صوت وفي بغداد التي هي مدينة العبادي ويقيم فيها الحكيم لم تصل الى 70 الف صوت.
وحصلت القوى السياسية الشيعية المسلحة، التي تضم ائتلاف "نبني" بزعامة العامري ومشاركة الخزعلي والمتحالف مع "المقاومة الإسلامية"، على أكثر من 638 ألف صوت في جميع المحافظات، رغم حصولها على المركز الأول في خمس محافظات (ذي قار، ميسان، واسط،.بابل، والديوانية، والنجف)، ولكن لم يتجاوزوا الحلبوسي في بغداد وأسعد العيداني في البصرة. والعدد الاصوات التي حصلوا عليها هو جزء من تغير المشهد السياسي الشيعي الذي كان سابقا في ايدي القوى الشيعية التقليدية مثل حزب الدعوة والمجلس الاعلى الإسلامي والتيار الصدري، لكن الآن هم اصبحوا الرابح الاكبر في ظل تجربة السلاح والمذهب وضحايا حرب داعش. تحالف نبني في المرحلة القادمة في بغداد سيواجه حاجز الحلبوسي وفي المحافظات غير المختلطة سيواجهون مشكلة قوائم المحافظين.
بالرغم من إنسحاب القوائم الشيعية امام قائمة الحلبوسي في العاصمة بغداد، لكن لاجل تشكيل حكومة محلية في بغداد ستواجه مشاكل عدة.
اول تجربة لتحالف القوى المدنية في إطار "قيم" بمشاركة الحزب الشيوعي صعد إلى اكثر من 100 الف صوت في كافة المحافظات، وحصلوا على المرتبة الثالثة في الديوانية، كانت النتائج مختلفة في مختلف المحافظات، تلك نتيجة نقص ثقة العديد من النشاطات المدنية العراقية بأهمية الإنتخابات ونجاح حملاتهم الدعائية للإضراب عن الإنتخابات بسبب انعدام المساواة في الفرص وتجربة السلاح والاموال والخطاب الديني، ذلك سيزيد خطورة ظهور مظاهرات جديدة شبيهة بمظاهرات تشرين.
في محافظات السنة فشت المحاولات في ملء مكانة الحلبوسي، ونتائج رئيس البرلمان المستبعد كانت مفاجأة كبيرة ومن بينها فوز بغداد والذي يعتبر تقدما مهما ورمزيا، بالاخص انها شاهدت منافسات شديدة وصعبة، ايضا في الانبار فشلت حملة "إنهاء الحلبوسي" ومجموع اصواته وصلت الى اكثر من 483 الف صوت. وفي المقابل انكمشت القوى المنافسة للحلبوسي فمثلا "الحسم" ويعتبر جبهة سياسية واسعة للسنة كسبت 177 الف صوت فقط في بغداد وجنوب العراق احتل القيم المراكز السادسة والسابعة في جميع المحافظات.
في كركوك تحالف وقوائم الاحزاب الكوردية وبالفوز ب7 مقاعد من اصل 15 يشكلون 47% من إجمالي المقاعد، في حين ان 63% من مقاعد مجلس المحافظات كانت بأيديهم، ذلك ما عدا ان منذ 2005 القوة الكوردية في كل إنتخابات برلمانية عراقية حصلوا على اكثر من 50% في كركوك، لكن هناك وجهة نظر ترا ان بالرغم من النتيجة الا ان الإنتخابات اثارت قوة الروح القومية الكوردية في المدينة، واثبتت ان الإدارة المستقبلية للمحافظة مستحيلة بدون الاكراد مما يعترض مع الواقع الذي تم فرضه بعد 2017.
مهما كانت النتائج في كركوك، التسوية امر حاسم، لأن في المادة 13 من قانون 12 التعديل الثالث لسنة 2018 الفقرة الثانية: نتائج الانتخابات ليست اساس لأي وضع قانوني او إداريوجاء في الفقرة الثالثة أن تبقى مبادئ هذه المادة كما هي بالنسبة للانتخابات المقبلة لمجلس النواب ومجالس المحافظات. وتنص المادة الرابعة على أن يكون توزيع السلطات عادلاً بين طوائف المحافظة بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
وفي المناطق المتنازع عليها الأخرى إلى جانب كركوك، فإن هيمنة القوائم العربية والشيعية بالسلاح والمال وتعزيز الفاعلية الشيعية بعد عامي 2017 و2018، شكلت المزيد من الضغوط على الأكراد على النحو التالي:
- في نينوى، انخفض حجم القوات الكوردية في المجلس السابق من 31% إلى 23.5% ، مع فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأربعة مقاعد والاتحاد الوطني الكوردستاني بمقعدين، بمتوسط 174 ألف صوت كوردي.
- في صلاح الدين فاز الإتحاد الوطني الكوردستاني بمقعدين ففقط وذلك ضمن إئتلاف "الجماهير الوطنية" برئاسة محافظ صلاح الدين السابق.
مجمل الاصوات الكوردية المقسمة على تحالفات عدة لم تصل الى 40 الف صوت، وتشبه هذه النتيجة إلى حد ما نتائج عام 2013، عندما فازوا بمقعد واحد فقط من أصل 29، لكنها تمثل انتكاسة مقارنة بانتخابات مجالس المحافظات عام 2009 التي فاز فيها الإخوة الكوردية بمقعدين.