تحليل

عاشوراء الصدر في طهران

07-10-2019


 

RRC |

زریان رۆژهەڵاتی

كان ظهور مقتدى الصدر في مراسم عاشوراء بطهران هذا العام، جالساً بين المرشد الإيراني وقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، حدثاً هاماً يمكن أن يؤثر على السياسة الداخلية العراقية.

ظهر الصدر في طهران بينما الخلافات الداخلية بين شيعة العراق محتدمة والنقاشات حول كابينة عادل عبدالمهدي الحكومية مستمرة. إضافة إلى ذلك، بات جر العراق للزج به في الصراعات الإقليمية والدولية موضوعاً لا مناص منه.

كيف يمكن أن نفهم ظهور الصدر هذا في طهران؟ والأهم من هذا، ما التأثير الذي قد يتركه هذا على السياسة الداخلية العراقية؟

لماذا ظهر الصدر في طهران؟

يفضل مؤيدو الصدر أن تعد زيارته إلى طهران موضوعاً غير سياسي وإكساءه طابعاً دينياً وشخصياً. بل أن البعض منهم يعد نشر صورة الصدر جالساً بين خامنئي وسليماني موضوعاً سياسياً محلياً إيرانياً. لكن يبدو أن الذين يتابعون سياسات العراق والمنطقة يصعب عليهم تصديق هذا. لأن الصدر في مراسم عاشوراء السابقة لم يظهر هذه الصورة كما أن علاقاته مع المسؤولين الإيرانيين فاترة منذ فترة.

هناك رأي آخر يشير إلى احتمال أن يكون مقتدى الصدر قد زار طهران للتخلص من عادل عبدالمهدي. لكن هذا أيضاً صعب التصديق. فرغم الضغوط والانتقادات، ليس هناك حتى الآن مسعى ملموس من جانب سائرون لتنحية عبدالمهدي.

بينما يرى آخرون أن الصدر قد يكون يعمل على الوساطة بين إيران والسعودية، ويبدو أن هذا هو سبب زيارته إلى طهران. لكن في الواقع، يوجد لدى إيران والسعودية قنوات أقوى من العراق والصدر للتحاور بينهما، حيث يمكنهما التفاوض من خلال بعض دول الخليج العربية أو حتى بصورة مباشرة، وليس عن طريق الصدر الذي كان قد أشاح بوجهه عن الإيرانيين وأشاحوا بوجوههم عنه منذ فترة.

عموماً، يمكن تحديد مجموعة أسباب لظهور مقتدى الصدر في طهران:

أولاً: دور آية الله كاظمي حائري والمشكلة الداخلية للشيعة في العراق

بعد هجمات الطائرات المسيرة على قواعد ومقرات الحشد الشعبي، أعلن مقتدى الصدر أنه يعتقد بأن ذلك من عمل إسرائيل، ودخل في خلاف مع قسم من قيادات الحشد الشعبي بشأن الانصياع لقرارات الحكومة ومسألة تشكيل قوة جوية للحشد الشعبي. تزامناً مع تلك الأمور، أفتى آية الله سيد كاظمي حائري الكربلائي الأصل والمدرس في حوزة قم العلمية، بتحريم بقاء القوات الأمريكية في العراق. كما وصف حائري الحشد الشعبي بـ”المقدس” في فتواه. الكلام الذي يصدر من آية الله حائري يهم الصدر ولا يستطيع إغفاله. لأن والد الصدر أوصى الشيعة باتباع حائري! وإذا لم يسمع الصدر لهذا، ليس ببعيد أن ينفر منه قسم من أتباعه “المقلدين” لكاظمي حائري. أغلب الظن هو أن الصدر لا يستطيع التراجع عن خطاباته السابقة بخصوص استقلالية السياسة العراقية، لكن المزيد من الصراع مع الحشد الشعبي (قسم منه) وإهمال ما يقوله حائري، يحملان في ثناياهما احتمال المزيد من الانشقاق بين الصدريين، ومن المستبعد جداً أن يقدم الصدر الآن على مخاطرة كهذه.

حذر الصدر الحكومة العراقية عدة مرات، وأمل منها أن تلتزم الحياد ولا تميل إلى البعض. يمكن أن يكون هذا إشارة إلى منح مناصب هامة لبعض المسؤولين الصدريين وميلان السياسات لصالح الكتلة المخالفة للصدر. كما يمكن للمحادثات مع المسؤولين الإيرانيين أن تؤثر على المشكلة بين الصدر والجهات المكونة للحكومة.

ثانياً: علاقة الصدر المتذبذبة ولكن المستمرة مع إيران

ينتمي الصدر إلى عائلة شيعية معروفة تعد نقطة التقاء سياسية ومذهبية في العراق ولبنان وإيران. القرابة بين صدريي العراق ولبنان والتقاؤهم في بيوت الخميني وخاتمي (بإيران) عن طريق الزواج، عقدة في تلك العلاقة السياسية – المذهبية. إضافة إلى ذلك، فإن لزعيم حزب الله اللبناني، حسن نصرالله، علاقات قوية مع عائلة الصدريين ويمكن أن يكون له دور في العلاقة بين إيران والصدر.

يطلق المكتب الخاص لمقتدى الصدر صفة “حجة الإسلام والمسلمين” عليه وهي الثالثة في الترتيب بين خمسة ألقاب روحانية شيعية. لكن المقربين منه لا ينفون رغبته في الفوز بلقب “آية الله” الذي يبدو أن نوعية علاقاته مع حوزة قم (إيران) وحوزة النجف (آية الله علي السيستاني) هي التي تعيق نيله هذا اللقب حتى الآن، وقد درس مقتدى الصدر الـ(خارج) في قم، ودراسته واحدة من شروط الفوز بلقب آية الله. لكنه لم يبلغ مراده ذاك حتى الآن. رغم إقامته في إيران لسنوات وتلقيه الدروس الدينية، فإن الفتور اعترى علاقاته السياسية مع طهران منذ النصف الثاني من العقد الأول من هذا القرن، حتى بلغ الأمر بمؤيدي الصدر إلى مواجهات مع الفصائل الشيعية المقربة إلى إيران وترديد شعار “يا قاسم سليماني… هذا الصدر رباني” ضد قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني. تجاوز الصدر السياسة المذهبية إلى خطاب قومي – ديني وكانت النتيجة تعزيز علاقاته مع السعودية والدول السنية، وكان قد أعلن في وقت سابق أنه يعارض التدخل في الشأن الداخلي العراقي ويرفض تحويل العراق إلى ساحة لمعاداة جيرانه في إشارة إلى المشاكل بين إيران وأمريكا والدول الأخرى. لكنه مع ذلك لم يقطع صلاته بإيران وعلى المستوى المحلي العراقي، وبالنتيجة وافق على دعم تشكيل الحكومة جنباً إلى جنب قوى تعرف بأنها مقربة إلى إيران.

ثالثاً: مفاجآت الصدر

يعرف مقتدى الصدر بأنه شخصية تصدر عنها بين الحين والآخر قرارات مفاجئة. ففي الآونة الأخيرة مال إلى استخدام “تويتر” ونشر رسائله عبر هذا التطبيق. الأمر الذي جعله إلى حد ما يشبه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب!

اتخذ مقتدى الصدر عدة قرارات ثم تراجع عنها. مثل حل جيش المهدي ليعود بعد ذلك إلى إعادة تشكيله تحت مسمى “سرايا السلام”، وقرار الابتعاد عن ممارسة السياسة التي عاد إليها فيما بعد. فيمكن أن يكون ما يجري هذه المرة أيضاً قراراً آخر من قراراته المفاجئة لتحسين علاقاته مع إيران.

النتيجة

لا يمكن لزيارة مقتدى الصدر إلى إيران بعد مرحلة من الفتور في العلاقات مع طهران، أن لا تكون سياسية. فالمكانة الدينية – السياسية للصدر مرتبطة بالعالم الشيعي وفيه مجموعة نقاط كالروابط العائلية والدينية التي تربطه بإيران. أضف إلى ذلك، فإن مكانته السياسية في السياسة العراقية الحالية وأوضاع الحكومة مرتبطة إلى حد بعيد بطريقة تعامل الصدر مع الفصائل المقربة من إيران، وبخلاف ما يشاع، ربما لن يكون تغيير عادل عبدالمهدي في هذه المرحلة في صالح الصدر وهذا مرتبط إلى حد بعيد بتهدئة التوترات الداخلية التي لا يمكن إغفال دور إيران فيها.

هناك احتمال كبير أن يؤدي ظهور الصدر في طهران بين خامنئي وسليماني على المدى القريب على أقل تقدير إلى تخفيف الخلافات الداخلية الشيعية وخاصة خلافات الصدر مع قسم من الحشد الشعبي.

Share this Post

تحليل