تحليل

استيراد الغاز من تركمنستان..مصير وعد السوداني ومشاريع الغاز الطبيعي في العراق

20-11-2023


تمهيدي

في يوم 8 نوفمبر في عشق اباد عاصمة تركمنستان وقع الوفدان العراقي والتركمنستاني بروتوكولا يتضمن الشروط الاساسية لبيع الغاز من قبل تركمنستان للعراق، بحسب البروتوكول تصدر تركمنستان سنويا 9 مليار متر مكعب من الغاز لايران وتصدر ايران الكمية نفسها للعراق وذلك في حين ان محمد شياع السوداني كان قد اعلن في 4 ايار 2023 في بغداد  1 ان العراق سينهي استيراد الغاز من سنة الى 3 سنوات القادمة لكن في حين تطبيق الاتفاقية الجديدة سوف يستورد العراق الغاز من تركمنستان لخمس سنوات مقبلة!

هذا التطور السريع بين تركمنستان والعراق في الشأن النفطي يعود الى شهر اب من السنة الجارية بعد زيارة وفد وزارة النفط العراقية لتركمنستان وزيارة مقصد باباييف وزير الدولة لشؤون الغاز في تركمنستان الى بغداد في 5 اكتوبر 2023 وزيارة وزير الكهرباء العراقي في الايام الماضية الى تركمنستان. يمكن ان يكون ذلك كله مرتبط بالعقوبات التي فرضتها امريكا على ايران لان في صيف السنة الجارية بعد عدة تمديدات اصدر انتوني بلينكن عفوا 120 يوما عن استيراد غاز ايران للعراق. هذه المدة على وشك الانتهاء ومن الواضح ان امريكا لن تتهاون بهذا الشأن مجددا.

اذا تم التوقيع النهائي على الاتفاقية هناك نقطتان مهمتان يجب اخذهن بعين الاعتبار، الاولى اتفاقية توتال اينيرجي الفرنسي ووزارة النفط العراقية والذي بعد سنة من التأخير تم توقيع الاتفاقية في صيف 2023 وبهذا قد يكون تم التوقيع على اكبر استثمار اجنبي في قطاع الطاقة في العراق. من المقرر ان تستثمر شركة توتال اينيرجي بمبلغ 27 مليار دولار لتطوير هذا القطاع بالاخص انتاج الغاز وعلى راسه تقليل حرق الغاز المصاحب2!

الثاني مشروع وزارة النفط العراقية والعقود الجديدة لتقليل حرق الغاز المصاحب والذي هو الان بحسب بيانات البنك العالمي في 2022، في العراق واقليم كوردستان في 198 حقل و بئر نفطي يتم فيهم حرق الغاز المصاحب2 والذي حجمه 17.94 مليار متر مكعب والذي اذا تم بيعه قيمته تتجاوز 2.05 مليار دولار3

هنا سنقف عند كيفية استيراد الغاز من تركمنستان ووعد السوداني ومصير المشاريع المليارية لانهاء حرق الغاز المصاحب وكمية حرق الغاز المصاحب في الحقول والابار النفطية في العراق واقليم كوردستان.

غاز تركمنستان، ضربة لاتفاقية توتال في العراق

اذا كانت الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة دخلت مرحلة التنفيذ اذا سوف يتم استيراد 9 مليار مكعب من الغاز الطبيعي من تركمنستان من قبل العراق سنويا. في حين ان استيراد غاز تركمنستان للعراق لن يكون بشكل مباشر بل عن طريق ايران، اي تصدر ايران سنويا 9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي للعراق، وبنفس الحجم تصدر تركمنستان الغاز الطبيعي لشمال وشمال شرق ايران.

هذه الالية لتبادل الغاز ليست الاولى من نوعها بين تركمنستان وايران ففي عام 2021 تعاقدت تركمنستان مع اذربيجان لتوفير 1.5 الى 2 مليار متر غاز لاذربيجان عن طريق ايران.

في الحقيقة محاولة تركمنستان هذه تتضمن نقطتين، الاولى مشكلة عدم دفع مستحقاتها مقابل تصديرها الغاز الطبيعي لايران والثانية متعلقة بمحاولات تركمنستان لتنويع طرق تصدير الغاز الطبيعي للخارج، بالاخص بعد انهيار اتفاقية تجارة الغاز مع روسيا في عام 2009.

لذلك وفي عام 2010 اسست تركمنستان خط انابيب غاز بطول 182 كيلومتر من حقل غاز دوفليت اباد الى حقل غاز خانجيران في شمال شرق ايران. والذي باستطاعته ان ينقل سنويا 6 مليار متر مكعب وفي الاونة الاخيرة بعد وضع مضخات لزيادة مستوى التصدير تضاعفت قدرته. وذلك على الرغم من وجود خط أنابيب غاز قديم على طول ساحل بحر قزوين من حقل كوربيدز في تركمانستان إلى حقل كوردكو الإيراني، تم بناؤه عام 1997 وبطاقة سنوية تبلغ 8 مليارات متر مكعب من الغاز.

من ناحية الغاز الطبيعي تتصدر تركمنستان المركز الرابع عالميا وهي صاحبة 10% من احتياط الغاز الطبيعي. خلال العقدين الماضيين كانت لها استثمارات كبيرة في مجال انتاج الغاز وتصديره للدول.نستطيع ان نعتبر هذه الاتفاقية اجهاض لاتفاقية توتال اينيرجي ووزارة النفط العراقية التي تم التوقيع عليها في ايلول 2021 وثم تم اعادة توقيعه في 11 تموز 2023.

ايضا بحسب الاتفاقية المشروع الرئيسي هو عبارة عن انتاج الغاز في ويست قورنة-2، مجنون ارتاوي ، توبا واللحيس في جنوب العراق، والذين بامكانهم انتاج 300 مليون قدم مكعب غاز يوميا.

كل هذا على الرغم من أن وزارة النفط العراقية تستعد للإعلان عن الجولة السادسة من عقود الغاز والنفط في كانون الثاني/يناير 2024 والتي ستتكون من نحو 30 كتلة نفط وغاز و14 عقد. بحسب المعلومات هناك 11 عقد جديد متعلق بانتاج وتطوير حقول الغاز في العراق، 8 منها تقع في محافظة الانبار.

وعود السوداني ومصير مشاريع الغاز الطبيعي والغاز المصاحب في العراق

بحسب بيانات بي بي BP انتج العراق عام 2021 9.4 متر مكعب غاز لكن استهلك بالمقابل 17.1 مليار متر مكعب، اي انه تم استيراد 7.7 متر مكعب في تلك السنة. ايضا في العام الماضي انتج العراق 9.8 مليار متر مكعب،لكن لتغطية احتياجاته استورد 9 مليار متر مكعب من ايران. لهذا اعلن محمد شياع السوداني يوم 4 ايار 2023 "نحن يوميا نحرق النقود نحن نحرق يوميا 1.2 مليار قدم مكعب من الغاز! ثم نستورد الغاز يوميا مليار قدم مكعب من ايران! والذي تكلفته لا يقل عن 4 مليار دولار سنويا!

وفقا لبرنامج تتبع خفض الانبعاثات العالمية المشترك التابع للبنك الدولي (GGFR)، يحتل العراق المرتبة الثانية بعد روسيا، حيث يمتلك 17.94 مليار متر مكعب بحلول عام 2019، وبينما كانت 12.7 مليار متر مكعب فقط في عام 2012، كانت هناك زيادة قدرها 5.24 مليار متر مكعب في العقد الماضي.

الرسم البياني 1: الحد الأقصى السنوي لانبعاثات غازات الدفيئة من قبل 10 دول من عام 2012 إلى 2022

المصدر:البنك العالمي GGFR   12-11-2023

في غضون ذلك، وبحسب نفس متتبع البنك الدولي، يعد بئر النفط في حقل نفط القرن الغربي -2 الذي تديره شركة لوك أويل، أكبر احتراق لغاز المصاحب في العالم، حيث يحرق 1.18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب سنويا. وفي المركز الثاني بئر النفط في حقل سانتا باربرا الفنزويلي الذي يحرق 1.07 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب سنويا.من بين 50 حقل وبئر للنفط الاكثر حرقا للغاز المصاحب 13 منها متواجدة في العراق.

وإذا نظرنا إلى إقليم كردستان بشكل منفصل عن العراق، وبالنظر إلى مستوى إنتاج النفط في حقول وآبار النفط في وسط وجنوب العراق، فإن حقول وآبار النفط والغاز في إقليم كردستان تحرق القليل جدا من الغاز المصاحب.وفي العراق، يقع أكبر استهلاك سنوي للغاز (2.7 مليار متر مكعب) في حقل الرميلة النفطي.

يليه حقل الزبير النفطي بـ 2.5 مليار متر مكعب، والثالث حقل ويست قورنة-2 بحرق 1.5 مليار متر مكعب سنويا. ويهدر الثلاثة مجتمعين 6.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، أي أكثر من نصف ما يستورد سنويا من إيران ويتوقع استيراده من تركمانستان مستقبلا. أعلى مستوى لحرق الغاز المصاحب في إقليم كوردستان يقع في حقل نفط خورملة  والذي يصل إلى 0.655 مليار متر مكعب سنويا. وسجل أدنى مستوى في حقل غاز كورمور عند 0.9 مليون متر مكعب كما هو موضح في الرسم البياني الثاني

الرسم البياني2: حرق الغاز المصاحب في الحقول النفطية والغازية في العراق واقليم كوردستان في 2022

المصدر:البنك العالمي تعقب GGFR 12-11-2023

الخاتمة

اذا تم تنفيذ اتفاقية العراق وتركمنستان في نهاية هذه السنة بشأن الغاز الطبيعي، ومن الواضح أنه يثير بعض النقاط المثيرة للاهتمام حول مشاريع استثمار الغاز الطبيعي في العراق وقدرة العراق على الاعتماد على إنتاج الغاز وتقليل احتراق الغاز في حقول النفط، وقبل كل شيء :

-اتفاقية توتال اينيرجي ووزارة النفط العراقية، لانه اتضح ان الاتفاقية حبر على ورق.

والا لم تطور العراق الاتفاقية مع تركمنستان بخصوص استيراد 9 مليار متر مكعب من الغاز لمدة 5 سنوات.

- سيعتمد العراق مرة أخرى بشكل غير مباشر على إيران في واردات الغاز، رغم أن الدولار العراقي سيذهب هذه المرة إلى جيب تركمانستان، لكن إيران استوردت الغاز

من تركمانستان في السابق وواجهت مشاكل في الدفع.

- وبحسب الخارجية التركمانستانية فإن الاتفاق مدته خمس سنوات، ولن ينفذ وعد مجلس الوزراء بإنهاء حرق 1.2 مليار برميل من الغاز، خاصة وعد السوداني محمد شيعة بوقف حرق الأموال.

- لا يعرف ماذا سيحدث للجولة السادسة من عقود النفط والغاز، في حين أن معظم حقول الغاز في الجولة الخامسة لم تجذب استثمارات أجنبية لشروطها الكثيرة. لهذا ستطرح مجددا في الجولة السادسة.

وأخيرا، على الرغم من التوصل إلى اتفاق أولي ومذكرة تفاهم مشتركة وبروتوكول للشروط التجارية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي وتنفيذه؟ هل ستفعلها وزارة الكهرباء أم وزارة النفط مع غاز تركمانستان؟ لأن وزارة النفط العراقية ووزارة الكهرباء قد لا تكونان على علم بجهود بعضهما البعض

لذلك تحاول وزارة النفط زيادة إنتاج الغاز محليا وتقليل حرق الغاز المصاحب وشراءه محليا وتطوير حقول الغاز ، بدورها وزارة الكهرباء تحاول تأمين مصادر الغاز المتوفرة للكهرباء!

......

1 في ملتقى بغداد في 4 ايار 2023 المدة مابين 2:04:00 الى 2:04:50

2 الغاز المصاحب هو اسم يطلق على الغاز الذي ينتج مع عملية انتاج النفط

3 من ناحية السعر وضع لكل MMBTU 2.5 دولار اي 1000 قدم مكعب قدر بمبلغ 2.5 دولار وسعر  MMBTU الواحد الان في السوق هو اكثر من 3 دولار.

Share this Post

تحليل