تحليل

إيرادات ونفقات الموازنة العراقية السنوية المخالفة للتقديرات

10-06-2024


المقدمة

 في 3 حزيران/يونيو 2024، وافق البرلمان العراقي على موازنة 2024في أقصر وقت ممكن، رغم زيادة الأعداد مقارنة بالعام الماضي.

 وتقدر الموازنة المعتمدة لهذا العام الإيرادات غير النفطية بنسبة 57% والإيرادات النفطية بنسبة 2.8%أعلى بالمقارنة مع العام الماضي، في حين لم تكن تقديرات وزارة المالية ومجلس النواب العراقي طوال العقدين الماضيين صحيحة في نهاية كل عام.

الموازنة السنوية هي عبارة عن جمع الإيرادات وتوزيعها على النفقات. والقاعدة الأساسية في وضع الموازنة هي عبارة عن توازن بين الإيرادات والنفقات، رفع الإيرادات وخفيض النفقات بجميع الطرق، لكن انعكس ذلك في العراق. فمثلا ازدادت النفقات في العقدين الماضيين 29 ضعفا وبالمقابل ازدادت الإيرادات 8 مرات ونصف فقط.

بحسب جدول موازنة 2024 مجموع النفقات لهذا العام كانت 211.8 تريليون دينار ومجموع الإيرادات قدرت ب147.8  تريليون دينار وبذلك يصبح مجموع النقص  في هذا العام 10 اضعاف العام الماضي. أدى الإنفاق المتزايد في العراق واعتماده على عائدات النفط إلى بناء اقتصاد استهلاكي غير مسبوق شهد ارتفاع الإنفاق على الرواتب العامة من 2.1 تريليون دينار إلى 47.2 تريليون دينار خلال عقدين من الزمن. ويعتمد بقاء هذا الاستهلاك على أسعار النفط، وليس على قوة العمل ومستويات إنتاجية الموظفين.

 لقد بنى النفط اقتصاداً استهلاكياً غير مسبوق أدى إلى زيادة الإنفاق على رواتب الموظفين العموميين من 2.1 تريليون دينار إلى 47.2 تريليون دينار خلال عقدين من الزمن. ويعتمد بقاء هذا الاستهلاك على أسعار النفط، وليس على قوة العمل ومستويات إنتاجية الموظفين.

توزيع النفقات في قانون موازنة 2024 لا يعكس نفقات العقدين الماضيين لوزارة المالية للمؤسسات والوزارات وإقليم كودستان. بل ما نص عليه قانون الموازنة وما تم صرفه فعليا هو مختلف تماما، وابرزهم حصة إقليم كوردستان حيث كانت الفرضيات ان تكون 17%   و 12.46% في الماضي لكن ما هو مذكور في بيانات العقدين الماضيين ليس حتى نصف هذه النسبة  وما وافقت عليه وزارة المالية  وتم صرفه لإقليم كوردستان كان 5.76% من إجمالي نفقات العراق.

 ومن المثير للصدمة أن الإنفاق على البنية التحتية للصحة والتعليم والزراعة والموارد المائية والبيئة وحتى الرياضة والشباب في العراق، حيث صرف  لكل من وزارة الزراعة والصناعة والموارد المائية في العقدين الماضيين 2٪ من إجمالي إنفاق البلاد بمبلغ 28.8 تريليون دينار. وفي قانون موازنة العام الجاري تم تخصيص نسبة 1.57% من الميزانية لتلك الوزارات وذلك في حال صرفه.

نسبة النفقات في العقدين الماضيين و قانون موازنة 2024

شكلت كل من الرئاسات الثلاث وإقليم كوردستان نسبة 81.35% من إجمالي نفقات العراق في العقدين الماضيين وفي قانون الموازنة لعام 2024 نسبة 79.25% لكن مع حصص مختلفة تماما.

كانت اعلى نسبة في العقدين الماضيين لوزارة المالية حيث كانت 25.18% من إجمالي النفقات، لكن  في الموازنة الحالية انخفضت النسبة إلى 20.3% ومن المؤكد ان الفرق ذهب الى قطاع آخر. في العقدين الماضيين جاء القطاع الأمني في المرتبة الثانية وبالأخص وزارتي الداخلية والدفاع والتي شكلت في العقدين الماضيين نسبة 17% لكن في الموازنة الحالية شكلت 10.69%.

في المرتبة الثالثة من حيث النفقات يأتي قطاع الطاقة، النفط والكهرباء ففي العقدين الماضيين كانت نفقات ذلك القطاع 14.05% لكن تلك النسبة ارتفعت في قانون الموازنة الجديد الى 17.97% اي ان جزء من النسبة المنخفضة من وزارتي المالية والداخلية ذهبت الى تلك الوزارتين.

ما هو ملفت هو نسبة نفقات الرئاسات العراقية الثلاث بالمقارنة مع قطاعات البنى التحتية مثل الصحة والتربية والبيئة والمصادر المائية وحتى الصناعة. في العقدين الماضيين كانت حصة الرئاسات الثلاث 4.87% من مجموع النفقات وبالمقابل صرف لكل من وزارة الزراعة، وزارة الموارد المائية ووزارة الصناعة فقط 2.02% من مجموع النفقات.

ذلك الإرتفاع في تلك القطاعات الثلاث في قانون الموازنة لعام 2024 الى 5.26 وبالمقابل إنخفاض نسبة تلك الوزارات الثلاثة التي تم ذكرها اعلاه الى 1.57% امر ملفت كما هو موضح في الرسم البياني(1).

ايضًا خلال العقدين الماضيين كانت حصة قطاعات البنى التحتية مثل الصحة والبيئة 4.02% من مجموع النفقات، في حين أن العراق يمر الآن بجائزة ديمغرافية لوجود مجتمع فتي حيث يشكل الشباب ثلث مجتمعه، لكن قانون موازنة 2024 يخفض الإنفاق إلى 0.22%.

وبينما ظل الإنفاق على البنية التحتية والخدمات الأساسية والمؤسسات الأخرى على حاله طوال العقدين الماضيين، لكن منذ تشكيل الحشد الشعبي في العراق عام 2015، تم تخصيص أكثر من تريليون دينار سنويا له. لكن لم يتم ذكر المبالغ التي صرفت للحشد في تقرير وزارة المالية. بحسب موازنة 2024 تم تخصيص 4.3 تريليون دينار للحشد الشعبي، حيث خصص 3.9 تريليون فقط للرواتب  في حين انه كان 3.5 تريليون دينار في العام الماضي.

الرسم البياني(1): إنقسام نسبة النفقات الى 7 قطاعات وثلاث رئاسات وإقليم كوردستان من 2003 إلى 2023 وفي موازنة 2024.

المصدر: وزارة المالية العراقية قسم المحاسبة في الفترة مابين 15-5-2024 الى 2-6-2024

الملاحظة1: هاذين العقدين لا يشملان نفقات عام 2014 لكافة القطاعات والرئاسات الثلاث واقليم كوردستان

الملاحظة2:  حصة حكومة إقليم كردستان من إجمالي النفقات للعراق بأكمله أقل إذا توافرت بيانات عام 2014، حيث تم قطع النفقات من حكومة إقليم كوردستان في فبراير 2014.

الملاحظة3: تطرح هذه النفقات لسبعة قطاعات وثلاث رئاسات واقليم كوردستان من اجمالي نفقات جميع القطاعات اي مجموع الاموال التي انفقت في العراق للعقدين بإستثناء عام 2014.

الملاحظة4:  في هذا التقرير يشمل القطاع الأمني كلتا وزارتي الداخلية والدفاع، نسبة مشاركة تلك الوزارتين مصدرها قانون موازنة 2024 ولا يتضمن نفقات المؤسسات والهيئات الأخرى مثل هيئة الحشد الشعبي ومجلس الأمن الوطني وجهاز المخابرات وهيئة المناطق الحدودية.

الإيرادات النفطية وغير النفطية في قانون الموازنة وتقرير وزارة المالية

وعلى مدى العقدين الماضيين، في الأعوام التي أقر فيها العراق الموازنة ونشرت وزارة المالية التقرير النهائي للإيرادات النفطية وغير النفطية، أي بين 2003-2023، بلغ إجمالي الإيرادات النفطية بحسب الموازنة 1114 تريليون دينار، لكن في الواقع بلغت الإيرادات النفطية خلال تلك الفترة 1206 تريليون دينار، أما الإيرادات غير النفطية فقد توقع البرلمان  أن تكون 129.56 تريليون دينار، لكن لم يتم جمع سوى 97 تريليون دينار فقط.

على مدى العقدين الماضيين، كان هناك عدم توازن في الزيادة في إجمالي الإنفاق إلى الإيرادات. لقد تضاعفت النفقات ثلاث اضعاف الإيرادات. على سبيل المثال، وبحسب بيانات وزارة المالية العراقية، بلغ إجمالي النفقات 4.6 تريليون دينار فقط في عام 2003، و119.1 تريليون دينار في عام 2013، وأكثر من 142.4 تريليون دينار في عام  2013، أي أن النفقات زادت 24 مرة في العقد الأول و29 مرة في العقد الثاني مقارنة بـعام 2003. من ناحية أخرى كانت الأيرادات في عام 2003، 16 تريليون و113.8 تريليون دينار في عام 2013، و135.7 تريليون دينار في عام 2023،اي انها زادت ستة أضعاف في العقد الأول وثمانية أضعاف خلال العقدين.

 وعلى مدى العقدين الماضيين (2003-2023)، أدى ارتفاع أسعار النفط وسهولة الوصول إلى الإيرادات النفطية إلى ارتفاع الإيرادات النفطية من 15.7 تريليون إلى 125 تريليون دينار، أما الإيرادات غير النفطية من 225 مليار إلى 9.7 تريليون دينار، مما يعكس مدى إعتماد  نمو الاقتصاد العراقي على عائدات النفط. ووفقا للبنك الدولي، تمثل عائدات النفط 85%من ميزانية البلاد و42%من نمو الناتج المحلي الإجمالي.

على مدى العقدين الماضيين، كان ما حال دون تضاعف النفقات ثلاث مرات مقارنة بالإيرادات هو استمرار تدفق الإيرادات السنوية، خاصة بسبب ارتفاع أسعار النفط. ومن المؤكد أن هذا النمط من الإنفاق يرجع إلى الطريقة التي تم بها جمع الإيرادات. إن الاستمرار في هذا النهج لن يؤدي فقط إلى المزيد من العواقب في عصر تحول الطاقة وصافي الصفر، ولكن سهولة التجميع والتوزيع هذه جعلت من المستحيل توفير خدمات البنية التحتية الأساسية مثل المياه، والكهرباء والصحة والتعليم، وقبل كل شيء توفير فرص العمل وتوفير الحياة الكريمة للعراقيين، وأبرزها زيادة معدل البطالة إلى 15.6% بحلول عام 2019.

الرسم البياني(2): الإيرادات النفطية وغير النفطية بحسب قانون الموازنة وتقارير وزارة المالية العراقية 2003-2023

المصدر:وزارة المالية العراقية

ملاحظة: 2003-2005 لم يكن هناك قانون موازنة واعوام 2014،2020 و 2022 طرحت الدولة قانون الموازنة لتثبيته في البرلمان.

الخاتمة

 وافق البرلمان العراقي على جداول جديدة للإيرادات النفطية وغير النفطية هذا العام، مما يشكل تهديدين أساسيين للاقتصاد العراقي: الأول هو زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 27.3 تريليون دينار من 17.3 تريليون دينار في عام  2018 لكن وزارة المالية جمعت فقط 9.7 تريليون. والثاني هو زيادة الإنفاق على قطاع الطاقة وخفض الإنفاق على القطاعات الثلاثة الزراعة والصناعة والموارد المائية.

وفشل البرلمان العراقي خلال دوراته الخمس الماضية في إعادة التوازن إلى الموازنة السنوية، حيث يزيد النفقات باستمرار ويربط الإيرادات بكمية الإنتاج والصادرات وأسعار النفط.

اعتماد العراق على النفط عرّض النظام السياسي والاقتصادي العراقي للخطر مرتين خلال العقدين الماضيين، خاصة في عامي 2014 و2020 عندما تقلبت أسعار النفط، واضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى احتياطيات العملة وانخفاض قيمتها مقابل الدولار.

وسيكون لزيادة النفقات، وخاصة النفقات التشغيلية، التي تمثل أكثر من 80% من النفقات في العراق، ثلاث عواقب رئيسية: زيادة الدين العام للجيل القادم، وتباطؤ أو إضعاف النمو الاقتصادي، والأزمة المالية.

وأخيرا، فإن تقديرات البرلمان للإيرادات في العراق هي نفس الأرقام الموجودة على أوراق قانون الموازنة، وإلا فإن ما ترسله وزارة النفط إلى وزارة المالية كإيرادات نفطية وما ترسله أجهزة الدولة كإيرادات غير نفطية مختلفان تمامًا.

المصادر:

وزارة المالية, جمهورية العراق،” Mof.gov.iq, mof.gov.iq/pages/MOFPublicReports.aspx. Accessed1 June 2024.

وزارة المالية, جمهورية العراق التقارير المالية العامة .” Mof.gov.iq, وزارة المالية mof.gov.iq/pages/ar/FinalAccounting.aspx.  Accessed 03 May 2024

 Supper admin panel (no date) Central Bank Of Iraq. Available at: https://www.cbiraq.org/SeriesChartBig.aspx?isVir=0 (Accessed: 02 June 2024).

وزارة الماليةجمهورية العراق. Retrieved May 30, 2024, from https://mof.gov.iq/pages/MOFPublicReports.aspx

وزارة الماليةجمهورية العراق. Retrieved May 30, 2024, from https://mof.gov.iq/pages/MOFPublicReports.aspx

وزارة المالية, جمهورية العراق. -. https://www.mof.gov.iq/pages/ar/FederalBudgetLaw.aspx

 https://mof.gov.iq/pages/ar/BalanceArchive.aspxوزارة المالية, جمهورية العراق، 

Share this Post

تحليل