إختلاف سعر ال100 دولار امريكي مقابل الدينار العراقي في الأسواق العراقية والبنك المركزي استمر بالإرتفاع يوما بعد يوم خلال العقدين الماضيين، حيث وصل الإختلاف من 5 دنانير الى 194 دينار خلال السنة الجارية. ازدواجية سعر العملة العراقية مقابل الدولارالامريكي ما عدا انه ضعف في النظام المصرفي والإقتصادي هو ايضا مؤشر خطر كبير على مستقبل قيمة الدينار لأن قيمة العملة العراقية ليست مرتبطة بالسوق وقيمتها امام الدولار بل يتم تحديدها من قبل الدولة وليس عن طريق العرض والطلب او نسبة الفوائد البنكية او التضخم وإختلاف الاستراد والتصدير وما الى آخره.
تناقش قصص مختلفة حول طرق صرف الدينار بالدولار لدى البنك المركزي، واحتياجات السوق اليومية من الدولارات وتدفق الدولارات من العراق، وقبل كل شيء أرقام البنك المركزي وطرق الحوالات والنقد، كمية الدينار العراقي المطبوع وعائد النفط المباع بالدولار، ودخول الدولارات إلى الأسواق العراقية من البصرة إلى زاخو ونوع شركات صرف العملات المعروفة بالنوع (أ) والتي يمكنها صرف الدينار بالدولار في البنك المركزي وكم هي عددها؟ لماذا بإمكان تلك الشركات ان تستلم الدولار ب1310 من البنك المركزي في حين ان سعر الدولار في هذه الايام قد تجاوز 1530 دينار للدولار الواحد ايضا كم هو مجموع عدد شركات صرف العملات في جميع العراق مع اقليم كوردستان؟ لماذا شركات اقليم كوردستان محرومة من استلام الدولار بقيمة 1310؟ لماذا لا يمكن لمطارات كوردستان ان تعطي الدولار للزوار؟
سنركز في هذا التقرير على الفارق الستة أضعاف بين البنك المركزي والسوق مقابل الدولار الواحد ونسلط الضوء على ما إذا كان البنك المركزي يقدم دولارات أكثر أو أقل وما الذي سيفرق؟ للإجابة على هذه الأسئلة ومستقبل الدينار العراقي من بيانات البنك المركزي، والجهاز المركزي للإحصاء العراقي والسوق سنحاول الوصول الى اجوبة.
كيف تحصل شركات صرف العملات على الدولار من البنك المركزي وبيعها في الأسواق؟
بحسب قائمة البنك المركزي، هناك 1333 شركة صرافة في بغداد وحدها و600 في جميع المحافظات العراقية الأخرى باستثناء إقليم كوردستان، بمعنى آخر، هناك 1933 شركة في وسط وجنوب العراق، وإذا أضفنا عدد شركات ومكاتب الصرافة في إقليم كوردستان إلى العراق، سيرتفع العدد بالتأكيد إلى أكثر من 2500 شركة صرافة.
بحسب البيانات عدد شركات صنف(أ) التي سجلت في البنك المركزي هو 88 شركة والصنف(ب) اكثر من 57 شركة و صنف(ج) 300 شركة. فقط الشركات من الصنف(أ) يستطيعون ان يطلبوا شراء الدولار من البنك المركزي.
وفي الواقع فإن هذه الأرقام تتغير يوميا لسببين متضادين: أولا، تكوين شركات جديدة، لأن النوع (أ) يتكون من اندماج شركتين من صنف (ب) أو شركة (ب) وخمس شركات (ج)، والشركة (ب) هي نتيجة اندماج 10 شركات(ج) لذلك عدد الشركات ليس ثابت وفي تغير مستمر. والثاني هو إغلاق الشركات بسبب إدراجها على القائمة السوداء، أو رفض طلبات الحصول على الدولارات، أو تورطها في غسيل الأموال.
وتحاول الحكومة الاتحادية حاليا اغلاق كافة انواع شركات صنف(ج)ومكاتب صرف العملات في عموم العراق لتنظيم سوق الدولار والتحويلات المالية ومنع خروج الدولارات، وطلبت من اقليم كوردستان اتخاذ كافة التدابير لاغلاقها ذلك في حين ان غالبية الشركات التي تعمل في إقليم كوردستان هي من هذا النوع.
منذ ما يقرب من عام وثمانية أشهر، الطريقة الوحيدة لدخول الدولارات إلى الأسواق هي من خلال الشركات من الصنف(أ) وطلب المواطنين السفر إلى الخارج باستثناء الدول الخاضعة لعقوبات الولايات المتحدة، حيث يتم دفع 3000 دولار لكل مواطن، وبينما كان في السابق 7500 دولار، تسمح هذه الطريقة للشركات بأن يكون لها ممثلين في مطارات بغداد والبصرة والنجف ويمكنهم تقديم طلباتهم في المطار أو في المكاتب.
ولم يحدد الجهاز المركزي للإحصاء العراقي، خلال العامين الماضيين، عدد المسافرين القادمين والمغادرين من العراق، فيما سبق ونشر كافة التفاصيل في تقريره السنوي، لكن بالنسبة لعام 2023 وحده، تجاوز إجمالي عدد القادمين والمغادرين في جميع المطارات 9 ملايين.
في الواقع، فإن عدد السياح العراقيين في الخارج ومدى توفر الدولارات النقدية لهؤلاء السياح لا يتطابقان لسببين بسيطين: أولا، يمكن للسياح استخدام بطاقات الفيزا ومعظم دول العالم تعمل الآن بنقد أقل وثانياً، المطارات وشركات الصرافة وحتى الحجاج في إقليم كوردستان محرومون من الدولار ب1310 دنانير.
ورغم أن متوسط فرق سعر 100 دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالأشهر التسعة الأولى من العام الماضي لم يتغير، إلا أن الفارق بلغ 193 دينارا في 2023 و194 دينارا في 2024، في حين قام البنك المركزي بتحرير نصف ذلك المبلغ نقدا هذا العام، وهو ما يعكس عدم ارتباط السوق بالنقد اليومي للبنك المركزي، لأنه كان ينبغي أن يتضاعف الفارق الآن. انظر الى الرسم البياني (1) حول فرق سعر صرف الدولار في البنك المركزي والسوق من عام 2004 الى 2024.
الرسم البياني(1): سعر البنك المركزي وسعر السوق للدولار الواحد واختلافه في التسعة اشهر الأولي من 2004-2024.
المصدر: البنك المركزي العراقي، شباك البيع،2-10-2024.
الآن وفي سوق العملة في اقليم كوردستان ومكاتب تغير العملات التغير في الأسعار هو عكس البنك المركزي حيث ان في اليوم الذي يصدر فيه البنك المركزي تحويلات أقل ومزيدا من النقد، يرتفع سعر الدولار مقابل الدينار، في حين انه ينبغي أن ينخفض بسبب طرح الكثير من النقد ولكن نظرا لرفض التحويلات الرسمية لمختلف الأسباب من قبل البنك المركزي وضرورة المبالغ المرفوضة تلجأ الشركات إلى السوق وشركات العملة لإجراء التحويلات مما يرفع سعر الدولار مقابل الدينار
كم وكيف يتم عرض الدولار(النقد والتحويلات)؟
بحسب بيانات البنك المركزي بلغ إجمالي الدولارات المقدمة عبر نافذة البيع في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 49.6 مليار دولار، 46 مليار منها تحويلات و 3.6 مليار نقد، مما يعني ارتفاع نسبة العرض بشكل عام وبنسبة 46.7% مقارنة مع العام الماضي.
تعقيد إجراءات عرض الدولار بالنقد من قبل البنك المركزي وإجراءات تصدير الدولار عن طريق الحوالات وانخفاض نسبة دخول الدولار من امريكا كان سببا في إنخفاض نسبة العرض في التسعة اشهر الأولى من هذه السنة مقارنة مع التسعة أشهر الأولى للعام الماضي اقل بنسبة 3.98 مليار دولار (نقد) والذي لا يشكل نصف السنة الماضية.
بالرغم من ظهور تعليمات وإجراءات جديدة يوميًا بخصوص عرض الدولار في السوق لكن سعر الدينار العراقي يشهد عدم استقرار وهناك تغير بنسبة 1000 الى 3000 دينار مقابل 100 دولار بشكل يومي في السوق وترتفع نسبة الإختلاف بين البنك المركزي والسوق ايضا، ولذلك فإن هذا التغيير لا يتعلق فقط بالمؤشرات الاقتصادية وإجراءات البنك المركزي، بل يرتبط أيضا بالتغيرات السياسية والأمنية وأسعار السلع المختلفة، وخاصة النفط، وثقة الناس بمستقبل العملة العراقية وتؤثر على قيمتها في السوق.
في الواقع وبحسب بيانات البنك المركزي عرض الدولار لم يوضح إحتياج السوق العراقي للدولارخلال السنوات الماضية لذلك العرض هذه السنة اقل بالمقارنة مع الثلاث سنوات الماضية، في حين ان ايرادات هذه السنة اكثر من الاعوام الماضية كما هو موضح في الرسم البياني(2).
الرسم البياني(2): عرض الدولار من قبل البنك المركزي(التحويلات والنقد) في التسعة اشهر الأولى 2018-2024
المصدر: البنك المركزي العراقي، شباك البيع 2-10-2024
الدخل بالدولار والنفقات بالدينار؛ الفارق بين تريليون دولار و 100 تريليون دينار
مستقبل الدينار العراقي يعتمد على السياسة الامريكية وليس السياسة النقدية للعراق لأن 99% من عائدات بيع النفط والمنتجات الأخرى يستلمه العراق بالدولار،ورغم بيع ثلث النفط للصين في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يتم مبادلته باليوان رغم سعي الحكومة العراقية للتعامل مع العملات الأخرى بسبب نقص الميزان التجاري، ليس فقط مع الصين بل مع الدول الأخرى أيضا.
وعلى مدى العقدين الماضيين، تجاوزت عائدات تصدير النفط العراقي التريليون دولار، لكن إجمالي الناتج المحلي للعراق وصل إلى 253 مليار دولار بحلول عام 2023، وهي علامة واضحة على اقتصاد استهلاكي يعتمد على واردات السلع والخدمات، وحولت الحكومة 46 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام لتلبية هذه الاحتياجات.
جانب آخر من هذه الإيرادات بالدولار والنفقات بالدينار هو طباعة الدينار العراقي من قبل البنك المركزي، والتي وصلت إلى أكثر من 104 تريليون دينار خلال العقدين الماضيين، بحيث 95 تريليون دينار خارج البنوك التجارية و9 تريليون داخل البنوك! وهذا يعكس ضعف النظام المصرفي والمالي في العراق ومستوى ثقة سكانه في البنوك والدولة.
ولم تكن الزيادة في العملة العراقية المطبوعة في العقدين الماضيين مرتفعة كما كانت في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، في عام 2019، بلغ إجمالي حجم النقود المطبوعة في العراق نصف ما هو عليه الآن، وحتى 31 يوليو 2019، بلغ إجمالي النقود المطبوعة 48.3 تريليون دينار كما هو موضح في الرسم البياني(2).
الرسم البياني(3):مجموع العملة العراقية المطبوعة من قبل البنك المركزي وتلك التي في البنوك والتي في الاسواق.
المصدر:البنك المركزي العراقي، شباك البيع 8-9-2024
الأسباب خلف تلاعب سعر الدينار امام الدولار في الاسواق
كان ينبغي أن تكون العملة العراقية مثل دول الخليج أو الدول الآسيوية، وليس إيران وتركيا، لأن الدولة هي التي تحدد القيمة وليس السوق والتضخم وأسعار الفائدة المصرفية.
وفقًا لقاعدة بيانات العملات الخاصة بالبنك المركزي من عام 1995 إلى عام 2024، فإن عملات البلدان ذات الاقتصاد المرتبط بالسوق أو الخاضع للعقوبات فقط هي التي تغيرت بشكل كبير يوميًا وشهريًا وسنويًا وفقدت أكثر من 30 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل 10% من عملاتها مقابل الدولار، وفقا لبيانات البنك الدولي لكن على الرغم من رفعها في عام 2023، إلا أن القيمة السوقية الحقيقية للعملة العراقية انخفضت مقابل الدولار.
والحقيقة أن أسباب تقلبات سعر الدولار في العراق كما نرى هذه الأيام، قد تكون لها روايات أخرى مثل تصدير الدولار العراقي إلى دول أخرى لكن ليس نقداً عبر أسواق الدولار في أربيل والسليمانية والبصرة وبغداد، لأن ما يقدم نقداً وفي حسابات البنك المركزي أقل من نصف قيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق ولذلك تم مؤخراً العثور على بوابة رسمية لتصدير الدولارات خارج العراق من خلال ربط الشبكة المصرفية الرسمية، سواء كانت إيران أو الدول الأخرى التي تستخدم النظام المصرفي وبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويوركFederal Reserve Bank of New York ، فإن المثال الأبرز هو قصة علي غلام، العراقي البالغ من العمر 42 عاما والذي يمتلك ثلاثة بنوك والتي كانت (مصرف الاستثمار العراقي في الشرق الأوسط ومصرف الأنصار الإسلامي ومصرف القبض الإسلامي) وتم حظرها جميعا من قبل وزارة الخزانة الأمريكية اواخر عام 2022 بتهمة غسيل الاموال.
الخاتمة
إذا كان الفارق بين البنك المركزي والسوق صفراً في البداية وهو الآن على هذا الوضع، فإن عدة أسباب مختلفة ومتناقضة أدت إلى زيادة الفارق وضعفت مستقبل الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي وابرزها:
اولا: الإستمرار في التعامل بالكاش ووجود تريليونات الدنانير نقدا بأيدي المستثمرين والذين بدورهم يمكنهم خلق الحركة في الاسواق.
ثانيا: إفتقار المواطنون العراقيون إلى الثقة في عملتهم ونظامهم المصرفي لحماية رؤوس أموالهم في البنوك بسبب التجارب السابقة.
ثالثا: امتلاك العراقيين احتياطيات من العملات الأجنبية، وخاصة الدولار.
رابعا: تضاعف العملة العراقية المطبوعة في أقل من خمس سنوات مقارنة بالعقدين الماضيين، على الرغم من انخفاض إجمالي الإيرادات وزيادة إجمالي الديون لنمو الناتج المحلي الإجمالي في تلك السنوات.
خامسا: عدم تفعيل نظام التحويل البنكي واستمرار خروج الدولار عبر أسواق الدولار كحوالات حتى لو كانت صغيرة.
سادسا: دقة الارقام في العراق مثلا في اجمالي النقود المطبوعة في العراق مثلا من المفترض أن تزيد عاما بعد عام ولكنها انخفضت من عام 2017 إلى عام 2018 كما هو مبين في بيانات البنك المركزي أعلاه.
سابعا: قد تكون قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي هي سعر السوق، وليس السعر الذي يحدده البنك المركزي.
ثامنا: عدم التنوع والمساواة في تجارة العراق مع الدول الأجنبية واستمرار استيراد آلاف السلع والخدمات من مختلف البلدان وتصدير النفط ومنتجاته فقط.
تاسعا: عدم التنوع والمساواة في تجارة العراق مع الدول الأجنبية واستمرار استيراد آلاف السلع والخدمات من مختلف البلدان وتصدير النفط ومشتقاته فقط.