منذ ديسمبر 2021، لم ينخفض سعر النفط إلى المستوى الحالي حيث وصل إلى أقل من 70 دولارًا للبرميل، وهذا الأمر يثير القلق بالنسبة للربع الأخير من هذا العام، وسيؤثر على ميزانية العراق لعام 2025. التغير السريع في أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة يضع السوق بأكمله وعائدات البلدان المعتمدة على النفط أمام تحدي كبير، حيث تقوم هذه البلدان ببيع النفط شهريًا وإعادة توزيع الأموال.
يتم الحديث عن اسباب مختلفة لعدم إستقرار وإنخفاض سعر النفط من ابرز تلك الأسباب هو تباطؤ النمو الإقتصادي للصين، لكن ذلك ليس السبب الوحيد بالرغم من ان الصين تشكل 10% من مجموع طلب النفط العالمي لكن ايضا هناك اسباب اخرى تأثر على سعر النفط.
والواقع أن عدم الاستقرار وإنخفاض أسعار النفط دليل مباشر على تأثيرات مصادر الطاقة المتجددة والابتعاد عن إستخدام مصادر الطاقة التقليدية. كما أن أسعار النفط قد تتقلب خلال الأشهر والسنوات المقبلة، ولكن في النهاية ستتغير خريطة مستهلكي النفط في العالم، مما سيكون له تأثير كبير على أسعار النفط في المستقبل وستكون غير مستقرة إلى حد ما، ولذلك فإن توقعات مستهلكي الطاقة أكثر دقة من توقعات منتجي الطاقة.
وفي عام 2023، وبحسب تقرير الإيرادات والنفقات العراقية، فإن النفط شكل 93% من إجمالي إيرادات الدولة العراقية ، والتي بلغت 125.8 تريليون دينار، فيما شكلت الإيرادات غير النفطية 9.7 تريليون دينار، بنسبة 7% وكان ذلك متناقضا تماما مع ما ذكر في ميزانية تلك السنة للإيرادات النفطية وغير النفطية حيث تتزايد النفقات سنة بعد سنة والإيرادات تزداد اعتماداً على أسعار النفط.
على مدى العامين الماضيين، ساهمت الحروب والصراعات وجهود منظمة أوبك في عدم تجنب العراق للعجز في عائدات النفط وتحقيق فائض سنوي في الإيرادات على النفقات. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن زيادة النفقات وانخفاض متوسط سعر النفط لن يكرر ما ورد في موازنة 2024 لإيرادات ونفقات وزارة المالية.
وحسب جداول موازنة عام 2024، ارتفع إجمالي النفقات من 199 تريليون دينار (153 مليار دولار) لعام 2023 إلى 211 تريليون دينار (161 مليار دولار) لعام 2024، وهذا يعود جزئيًا إلى النفقات التشغيلية. في العام الماضي، تم تعيين ما يقرب من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام في العراق، وتم التعاقد مع أكثر من 370 ألف منهم بشكل رسمي، بالإضافة إلى الميزانية الكبيرة المخصصة لإصلاح البنية التحتية وبناء المشاريع الاستراتيجية في وسط وجنوب العراق.
في الدول الريعية يعتبر توزيع الرواتب توزيعا لثروة الدولة والمحرك الأساس للسوق وتأمين الإستقرار الإجتماعي ويعتبر العراق في مقدمة الدول التي تمثل هذا النموذج بالرغم من إختلافه من ناحية توزيع تلك الثروات، فبحسب تقرير وزارة المالية للإيرادات والنفقات يشكل إجمالي رواتب الموظفين والمتقاعدين 50% من مجموع النفقات حيث إزدادت تلك النفقات 4% خلال ستة اشهر مضت. فمثلا كان مجموع النفقات لرواتب الموظفين عام 2023 يشكل 45% لكن خلال النصف الأول من 2024 وصل مجموع نفقات الرواتب إلى 49% اي 28.1 تريليون دينار من مجموع 58.2 تريليون دينار.
عدم إستقرار سعر النفط وإنخفاضه سيتسبب بإنخفاض واردات دول عدة ومنهم العراق فمثلا خلال شهري تموز واغسطس إنخفضت واردات العراق من 9 مليار دولار الى 8.4 مليار دولار، وفي وقت لم يكن سعر النفط قد إنخفض بهذا الحد ولكنه تسبب بخسارة 600 مليون دولار من مجموع واردات العراق. وتقول وكالات الطاقة إن الطلب العالمي على النفط يشهد مزيداً من الانخفاض، ويرجع ذلك أساساً إلى الصين؛ حيث ان العراق يصدر ثلث نفطه إلى الصين. إذا استمرت أسعار النفط عند المستوى الحالي فإن العراق سيواجه تحديين رئيسيين: الأول هو عدم استقرار أسعار النفط وقربها من 70 دولارا، والثاني هو كمية الإنتاج والصادرات إلى الأسواق العالمية بسبب اتفاقية أوبك بلس. على سبيل المثال، إذا كان سعر برميل النفط أقل من السعر المدرج في الميزانية، فإن إيرادات العراق ستنخفض بمقدار 1.2 مليار خلال سنة ذلك إذا كان الفارق أقل بدولار واحد فقط. ايضا قامت اوبك بتحديد الكمية الإنتاجية والتصديرية للعراق والتي هي 200 الف برميل نفط يومياً وهو اقل من الذي محدد لميزانية 3 اعوام وذلك على الرغم من تعويض الفائض الذي أنتجته منذ بداية العام الحالي وحتى شهر يوليو.
في الواقع، إلى جانب التباطؤ الاقتصادي في الصين وانخفاض الطلب اليومي بمقدار 280 ألف برميل، هناك عوامل اخرى مثل التحول بنسبة 30%في طلب ناقلات النفط والشاحنات في الصين من الديزل إلى الغاز الطبيعي المسال في النصف الثاني من هذا العام، إرتفاع مخزون النفط الأمريكي وعدم إلتزام الدول بتخفيض مستوى الإنتاج التطوعي في إطار إتفاقية اوبك ومنبينهم العراق والمكسيك وزيادة تصدير نفط إيران الى الخارج خلال هذه السنة بنسبة 1.5 مليون برميل يوميا، يمكن لجميع تلك الأسباب ان توضح اسباب عدم إستقرار وإنخفاض سعر النفط وان يحدد إتجاه الأسعار في المستقبل، لذلك عدلت أوبك توقعاتها للطلب حتى عام 2025 للشهر الثاني على التوالي.
إذا إستمرت اسعار النفط هكذا ولم تتجاوز السبعون دولاراً فيجب على العراق مراجعة موازنة 2025 من ناحية الأسعار والكمية الإنتاجية وجدول النفقات والإيرادات، وأخيراً، هل سيسلك العراق طريق إعادة الهيكلة الاقتصادية والتنويع الذي يقول الجميع إن القطاع العام لم يعد قادراً على استيعاب جميع الموظفين الذين يتقاضون رواتب، أم أنه سيضطر إلى التوقف عن الإنفاق على المشاريع كما كان الحال في الماضي؟ومع ذلك، فقد أشار أحد مستشاري رئيس الوزراء بالفعل إلى أن نفقات الرواتب ستستمر وستتم مراجعة نفقات المشاريع.