خلافة المرشد الأعلى وتأثيرها على العراق
نظراً للعلاقات الاستثنائية بين حكومتي بغداد وطهران، فإن أي تغيير سياسي كبير في إيران سيؤثر بشكل مباشر على الساحة السياسية العراقية. وفقاً للمادة 110 من الدستور الإيراني، يمتلك المرشد الأعلى سلطات مطلقة على كل مفاصل الدولة الداخلية والخارجية، لهذا سيكون له ارتدادات كبيرة على العملية السياسية في العراق.
في ظل الأوضاع المتوترة مع إسرائيل، تتزايد التكهنات بشأن الخليفة المحتمل للمرشد الأعلى في إيران، ومما ضاعف الاهتمام بهذا الموضوع في هذا الظرف هو تطرق المرشد الاعلى له.
خطاب خامنئي في لقاء مع مجلس خبراء القيادة
في خطابه أمام أعضاء مجلس خبراء القيادة في السابع من الشهر الجاري، شدد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على الدور المحوري للمجلس في تعيين القائد، واصفاً هذه المهمة بأنها "بالغة الحساسية" وقادرة على تحديد مصير النظام بأكمله. واستشهد بآية من سورة آل عمران: «أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم»، في إشارة إلى غزوة أُحد، للتأكيد على أهمية الثبات والتمسك بطريق الحق حتى في غياب القائد. وأضاف أن مجلس الخبراء يتحمل مسؤولية كبيرة ويجب أن يبادر فورا بانتخاب القائد الجديد فيما لو غاب الفعلي بأعلى درجات الدقة والانتباه عند اختيار القائد الجديد، مشيراً إلى أن الشروط الدستورية للقائد تتطلب منه إيماناً راسخاً بمسار الثورة واستعداداً مستمراً للمضي قدماً.
ردود الافعال على خطاب المرشد
في سياق متصل، علّق الخطيب الشهير حيدري كاشاني بعد يوم من الخطاب، واصفاً تصريحات خامنئي بأنها غير مسبوقة. وأشار إلى دلالة الاستشهاد بالآية القرآنية المتعلقة بوفاة او مقتل النبي، لافتاً إلى أن الرسائل التي يحملها الخطاب تتطلب تأملاً عميقاً، خصوصاً في ظل التهديدات المتكررة التي يوجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد خامنئي. أضاف كاشاني بأن القائد أكّد على مجلس الخبراء تعيين الخليفة فورا.
في اليوم التالي، في مقابلة مطولة استغرقت ساعتين و24 دقيقة مع موقع "ديدبان إيران" عبر منصة يوتيوب، كشف عباس باليزدار، عضو لجنة التفتيش والتفحص التابعة لمجلس الشورى الإسلامي السابع، التي شكلت للتحقيق في ملفات السلطة القضائية عن تفاصيل صادمة تتعلق بملفات الفساد في السلطة القضائية. حيث قال بأن تحقيقاتهم اسفرت عن تورط 52 مسؤول في ملفات فساد كبرى من بين هؤلاء محمود شاهرودي ومحمد يزدي، الرئيسين السابقين للسلطة القضائية، إلى جانب شخصيات بارزة أخرى مثل إمامي كاشاني، متحدثاً عن قضايا فساد طالت العديد من قادة النظام، معظمهم من المتوفين. و أكد في الوقت نفسه أن مجتبى خامنئي، في حال توليه القيادة، هو الشخص الوحيد القادر على إيقاف الفساد ومحاسبة الفاسدين.
في الحقيقة هذه الملفات ليست جديدة على الشعب الإيراني، الذي يعرفها منذ سنوات، بل عدم محاكمة المتورطين فيها أحد أسباب غضب الشارع. اعتراف باليزدار بها قد يكون نوعاً من محاولة الترضية للشعب، وفي نفس الوقت مدخلا لطرح قيادة مجتبى خامنئي كمنقذ وحيد للوضع المتردي.
وأضاف باليزدار أن مجتبى أوقف مؤخراً تدريس العلوم الدينية الذي كان يقام عبر التطبيقات الافتراضية، في خطوة يعتقد أنها تهدف للتحضير لتولي القيادة.
بعد يومين من تصريحات باليزدار، كشف مهدي نصيري، الممثل السابق للمرشد الأعلى علي خامنئي في صحيفة "كيهان" والذي تحول إلى معارض للنظام، عن كواليس مثيرة. نصيري قال إن آخر جلسات الدورة السابقة لمجلس خبراء القيادة شهدت دعماً من بعض الأعضاء لخلافة مجتبى خامنئي، لكن المعارضة الشديدة من إبراهيم رئيسي، نائب رئيس مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية آنذاك، وأحمد خاتمي، إمام جمعة طهران المؤقت، أشعلت توتراً كبيراً انتهى بتعطيل الجلسة.
وأشار نصيري إلى أنه بعد هذه الأحداث، جرى تشكيل مجلس جديد للخبراء بدعم وترتيب من مجلس صيانة الدستور، ما يراه هو خطوة موجهة لدعم مشروع خلافة مجتبى خامنئي.
بالرغم من عدم وجود مصدر آخر لذلك لكن أشار حسين شفيعي كاشاني في خطبة صلاة الجمعة الماضية بمدينة ساري إلى أن خامنئي طلب من مجلس الخبراء التفكير في تعيين القائد القادم. لكن أبو الحسن مهدوي، في خطبة الجمعة بمدينة أصفهان، قلّل من أهمية خطاب خامنئي واعتبره غير جديد، لكنه كشف أن لجنة من مجلس الخبراء اختارت بشكل سري ثلاثة أشخاص للقيادة سيتم التصويت عليهم مستقبلاً من قبل اعضاء المجلس.
أثار خطاب حيدري كاشاني ضجة واسعة في الأوساط الإيرانية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. ولتدارك الموقف، نفى محمود رجبي، أحد أعضاء مجلس الخبراء، صحة كلام كاشاني واعتبر أن حديث القائد كان أمراً عادياً، لكنه أشار إلى أنه كانت هناك جلسة سرية لمجلس الخبراء عُقدت منذ فترة.
ووفقاً لبعض التسريبات، عُقدت هذه الجلسة في 26 سبتمبر 2024، وتم ترشيح كل من مجتبى خامنئي، ومحمد مهدي مير باقري، وعليرضا أعرافي لمنصب القيادة. بالرغم من عدم وجود معلومات مؤكدة يمكننا ان نقون بأن ميرباقري يُعد من أشد رجال الدين الإيرانيين تطرفاً، فحينما يطرح اسمه يكون لرفع حظوظ منافسه. أمّا أعرافي فلا صلة له بالحرس الثوري، ويُعرف بخبرته في إدارة المراكز الحوزوية دون أن يتولى أي منصب سياسي مهم.
مصير المرشحين السابقين للقيادة
جميع الذين تم تداول اسماءهم في السنوات الماضية كمرشحين لمنصب القيادة اما ارتحلوا او تمّ استبعادهم من المشهد السياسي.
توفي هاشمي رفسنجاني عام 2017، محمود شاهرودي عام 2018، محمد تقي مصباح يزدي عام 2021.
حسن خميني، حفيد قائد الثورة، رغم تدريسه لبحث الخارج في حوزة قم لسنوات طويلة، لم تُعتمد أهليته للاجتهاد، ما أدى إلى منعه من المشاركة في انتخابات مجلس الخبراء. أما صادق لاريجاني، فقد تعرض لحملة تسقيط قادها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، تضمنت اتهامات لابنته بالتجسس لصالح بريطانيا وقضايا فساد مرتبطة بأحد إخوته، بالإضافة إلى اعتقال "علي أكبر طبري"، الذي كان من المقربين منه والمدير لأنشطته الاقتصادية. الأزمة تصاعدت عندما رُفضت أهلية شقيقه، علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الاسبق، للترشح في الانتخابات الرئاسية، ما دفع صادق لاريجاني لتقديم استقالته من مجلس صيانة الدستور احتجاجاً، ليُعزل فعلياً من المشهد السياسي رغم احتفاظه بمنصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي يعد استشارياً للمرشد.
امتنع أحمد جنتي، رئيس مجلس الخبراء، عن الترشح لانتخابات الدورة الحالية بسبب تقدمه في السن، حيث بلغ 97 عاماً. كان من المتوقع أن يحل إبراهيم رئيسي محله بصفته النائب الأول للرئيس، إلا أن حادثة سقوط طائرته قبل يومين من انتخاب رئيس المجلس غيّرت المعادلة. في الأشهر التي سبقت وفاته، أثار وحيد حقانيان، المعاون التنفيذي السابق في مكتب المرشد، جدلاً واسعاً بتصريحه أن رئيسي سأله عن فرصه في خلافة المرشد.
أما أحمد خاتمي، فقد خسر موقعه في الهيئة الرئاسية لمجلس الخبراء، وشهد حضوره السياسي تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تقليص فرصه أيضاً في المنافسة على منصب المرشد.
في الوقت نفسه، الرئيس الايراني الاسبق، حسن روحاني الذي كان عضوا في مجلس الخبراء هو الآخر ايضا كانت له محاولات لشغل منصب المرشد القادم، لكنه حُرم من الترشح للدورة الجديدة، ليخرج عملياً من المشهد السياسي وتتراجع فرصه.
في أولى جلسات مجلس الخبراء التي انعقدت قبل ستة أشهر، ألقى علي حسيني أشكوري، ممثل محافظة جيلان، كلمة زعم فيها أن من واجب الحاكم الحالي تعيين خليفته. رغم أن الدستور يخالف ذلك.
طرح اسم مجتبى خامنئي
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الأيام الأخيرة، وهو ما قد يوفر فرصاً مواتية أكثر لإسرائيل، واحتمالات تهديد حياة المرشد الأعلى علي خامنئي يبدو أن النظام الإيراني يرى في الظروف الحالية فرصة لتمهيد الطريق أمام انتقال القيادة إلى ابن المرشد. خاصة أن منصب المرشد الأعلى لا يُعتبر منصباً دينياً تقليدياً، كما هو الحال في المرجعيات الشيعية، التي لا تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن عادة. بل يُنظر إلى هذا المنصب كولاية سياسية ودينية، تمثل امتداداً للإمام المعصوم، التي كان انتقالها بالنسب من الأب إلى الابن أمراً معتاداً.
في هذا السياق، لأول مرة يتم تداول اسم مجتبى خامنئي بهذا المستوى، قد يكون بهدف اختبار رد فعل الشارع الإيراني.
مجتبى خامنئي (مواليد 1969)، الابن الثاني للمرشد الأعلى (إلى جانب إخوته مصطفى 1965، مسعود 1974، ميثم 1978، بشری 1980، هدی 1981)، وصهر حداد عادل، رئيس مجلس الشورى الأسبق. منذ عام 1997، لعب دوراً مهماً في إدارة مكتب والده.