تحليل

حديث الأمس ووعد اليوم؛ نزع سلاح حزب العمال الكوردستاني ووضع قوات سوريا الديمقراطية في خطابات دولت باخجلي

23-10-2025


مقدمة

قبل عام بالضبط، في يوم كهذا اليوم، افتتح دولت باخجلي، رئيس حزب الحركة القومية التركي، بتصريحاته في البرلمان مرحلة جديدة من القضية بين حزب العمال الكوردستاني والدولة، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن. كانت تصريحاته آنذاك تحمل إشارات مهمة إلى ما حدث لاحقاً، وبالأمس أيضاً، قبل يوم واحد بالضبط من مرور عام، تحدث في البرلمان وصدرت منه إشارات مهمة إلى هذه العملية الجديدة الجارية في تركيا، والتي لها تأثير حقيقي على إقليم كوردستان والقضية الكوردية في المنطقة.

ماذا قال في السنة الماضية وماذا يقول هذه السنة؟

في الواقع، يمكن اعتبار المقارنة بين خطابي رئيس حزب الحركة القومية في 22 تشرين الأول من العام الماضي وخطاب 21 تشرين الأول من هذا العام بمثابة نصين مهمين لفهم مسار الأحداث المتعلقة بمباحثات الحل ونزع سلاح حزب العمال الكوردستاني وتأثيراتها الإقليمية على القضية الكوردية.

رفض باخجلي في تصريحاته هذا العام وجود خلافات داخل تحالف السلطة الذي يشكل حزب العدالة والتنمية وحزبه ركيزتيه الأساسيتين. وانتقد حزب الشعب الجمهوري، وتحدث عن بعض الجهات التي تريد خلق مشاكل لعملية نزع سلاح حزب العمال الكوردستاني، وباستثناء ذلك، خصص الأجزاء الأخرى من حديثه للحديث عن قبرص وغزة-فلسطين.

في خطابه العام الماضي، تحدث دولت باخجلي عن "عقل قومي ومشترك"، وهذا العام تحدث عن "عقل سياسي" يحمي أسس النظام والسلطة ويقف وراء الأحداث الراهنة. في الواقع، بدأ الخطابين بعبارة "رفاقي في قضيتي"، وكأنه يريد أن يحدد لنفسه دوراً أكبر من مجرد منافسة سياسية داخلية. وفي الحقيقة، بسبب التوازنات الحالية في ذلك البلد، يمكن النظر إلى تصريحاته على أنها تمثل "العقل السياسي" الذي يقف وراء الأحداث.

جغرافيا القلب وجغرافيا السياسة

كما في العام الماضي، هذا العام أيضاً في الجملة السادسة من نص تصريحاته، حيّا شعوب "جغرافيا القلب والثقافة" لتركيا، وقال إنهم يمرون بنقطة تحول. جغرافيا القلب والثقافة هي عبارة للإشارة إلى مناطق النفوذ، أو تلك المناطق التي تريد تركيا أن يكون لها تأثير عليها ولكنها ليست ضمن خريطتها السياسية حالياً.

في 2017، بعد استفتاء إقليم كوردستان على الاستقلال، أطلق دولت باخجلي تسمية المحافظتين الثانية والثمانين والثالثة والثمانين لبلاده، على كركوك والموصل. وهذا العام يقول إنهم لا يتخلون عن ذلك الهدف، ولكن بسبب الحاجة الملحة، فليكن شمال قبرص أولاً المحافظة رقم 82 لتركيا. وذلك لأنه في الانتخابات الأخيرة تم هناك انتخاب رئيس لديه ميل أكبر للاتحاد مع جنوب قبرص.

كذلك تحدث رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية، في خطاب سابق بعد إحراق سلاح 30 عضواً من حزب العمال الكوردستاني في جاسَنَة بالسليمانية، عن تحالف الترك والكورد والعرب. وقال إن معارك ملاذكرد والقدس وإسطنبول خاضوها معاً، والنصر لنا جميعاً، ورسم خريطة من دمشق إلى الموصل وكركوك والسليمانية وبغداد وإسطنبول، جميعها كمدن مشتركة للترك والكورد والعرب.

رسمياً، ترفض تركيا أي سياسة توسع سياسية، وتفسر مثل هذه الأحاديث على أنها استذكار لتراث مشترك من أجل التعاون السياسي والاقتصادي الإقليمي، لكن أحداث سوريا وسقوط بشار الأسد وبدء حوار الحل ونزع سلاح حزب العمال الكوردستاني أثارت قلق بعض السياسيين الشيعة في العراق من أن تركيا، في ظل الوضع الجيوسياسي المهزوز في المنطقة، قد تحول "جغرافيا قلبها" إلى جغرافيا واقع سياسي بسبب الحاجة للنفط والأمن. من المحتمل أن تركيا تريد في هذه الفترة الانتخابية، حيث لا يعرف بعد إن كان السوداني سيبقى أم لا، الحفاظ على علاقات أنقرة-بغداد كما هي، وهذا ما ينعكس أيضاً في تصريحات باخجلي، لذا يقول إن الموصل وكركوك هدفنا بعيد المدى، لكن في الوقت الحالي لدينا أولويات أخرى.

تسمية جزيرة لأوجلان

في العام الماضي، قال رئيس حزب الحركة القومية إنه وصف عبد الله أوجلان كزعيم إرهابي، وأنه إذا حلّ حزب العمال الكوردستاني نفسه، فيمكنه الاستفادة من حق الأمل. هذا العام أسماه أوجلان إمرالي، رغم أنه خلال العام الماضي أسماه أكثر من مرتين الرئيس المؤسس لحزب العمال الكوردستاني. ربما يكون اختيار اسم إمرالي للإشارة إلى أوجلان، من جهة، محاولة للتحرك بشكل أكثر تماشياً مع رئيس الجمهورية التركية لأنه يستخدم ذلك الاسم أكثر. يعلم باخجلي أنه مهما كان تأثيره، من الصعب أن يواصل مشروعه السياسي بدون موافقة الرئيس. من جهة أخرى، ربما يكون ذلك لتخفيف ردود فعل الرأي العام التركي الذي قد لا يفكر بنفس طريقة باخجلي تجاه أوجلان. ففي استطلاع لمعهد أبحاث اجتماعية أُجري على 2017 شخصاً في الفترة من 25-29 أيلول من هذا العام، كان 87.8% من المشاركين ضد الإفراج عن أوجلان، الذي يرى دولت باخجلي أنه وفى وعده به. كان 91.5% من أعضاء حزب العدالة والتنمية و97.3% من أعضاء حزب الحركة القومية و93.5% من أعضاء حزب الشعب الجمهوري، المشاركين في الاستطلاع، كانوا ضد الإفراج عن أوجلان.

في الواقع، تعكس تصريحات دولت باخجلي هذا العام بشكل أكبر الرأي العام الذي  أظهره ذلك الاستطلاع.

في الاستطلاع، قال 44% إنه يمكن تدريس اللغة الكوردية في المدارس كمادة اختيارية. كما قال 42.8% إنه يجب تعديل الدستور بطريقة تشمل المجموعات العرقية الأخرى أيضاً. لكن 84.7% قالوا إنه لا ينبغي حذف مصطلح التركية من الدستور. وقال 69.3% من المشاركين إن المواطنين الكورد في تركيا أتراك أيضاً، وقال 72.6% إن كل مواطن في الجمهورية التركية يُعدّ تركياً. تحدث دولت باخجلي في تصريحاته هذا العام عن أن تعريف الأمة لا يعني رفض اللهجات والثقافات والهويات الأخرى، وهو ما قد يتماشى مع إحصاءات الرأي العام التي تكون أكثر ليونة بقليل مقارنة بمسألة الإفراج عن أوجلان.

ذكر دولت باخجلي أن لجنة البرلمان تعد المعايير القانونية والديمقراطية لعملية نزع السلاح، وقال إن أعمال اللجنة تقترب من نهايتها، ويبدو من تصريحاته أنه قد تُجرى بعض التغييرات في شهر تشرين الثاني من هذا العام، وذلك في الوقت الذي اشترط فيه حزب العمال الكوردستاني لنزع السلاح بالكامل خطوات عملية من الدولة والبرلمان. من المحتمل أن تبرز في المستقبل بعض الإصلاحات مثل إضافة أسماء المجموعات الرئيسة مثل الكورد إلى تعريف المواطنة، والتعليم الاختياري للغة الأم في المدارس، وعفو غير معلن بشكل أكبر.

المطالبة بحل قوات سوريا الديمقراطية

طالب باخجلي في تصريحاته بنموذج حل الدولتين لكل من قضيتي فلسطين وقبرص، وتحدث عن عملية دمج لحزب العمال الكوردستاني وقوات سوريا الديمقراطية. وقال إن أوجلان رفض بوضوح مطلب الفيدرالية والحكم الذاتي حتى الثقافي، ولا ينبغي أن يطالب أحد بحكم ذاتي غير معلن والمطالبة بحصة في السلطة. على الأرجح، يمكن أن تكون هذه إشارة إلى وجود مفاوضات أو مطلب خلف الستار من حزب العمال الكوردستاني – دام بارتي اللذان لديهما ميل أكبر لتحويل هذه العملية إلى مفاوضات ثنائية.

بخلاف العام الماضي حيث لم يذكر هذه الأمور، تحدث هذا العام بوضوح عن ضرورة نزع سلاح وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية أيضاً. وهذا يتماشى مع تصريحات رئيس الجمهورية التركية الذي قال منذ البداية إنه يجب نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية أيضاً وليس فقط سلاح حزب العمال الكوردستاني.

على الرغم من عدم وجود اتفاق مكتوب بعد، يبدو أن دمشق وأنقرة اتفقتا على أن تبقى قوات سوريا الديمقراطية كثلاث فرق. واحدة مشتركة مع دمشق والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في جميع أنحاء سوريا. والاثنتان الأخريان تبقيان في أماكنهما. تريد دمشق أن تعين قادتها بنفسها، وفي المقابل، تريد قوات سوريا الديمقراطية أن يكون لها دور في وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش. لم يتفق الطرفان بعد على نموذج اللامركزية الإدارية والقضايا الأخرى مثل التعليم، لكن في هذه الأثناء، على الأرجح، تدور القضية الأساس حول سلسلة قيادة قوات سوريا الديمقراطية التي وفقاً للمحادثات الأخيرة، يوافق الطرفان على تغيير اسمها.

هذه الجولة من المحادثات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق هي نتيجة ضغط أمريكي، وربما، كما استطاع ويتكوف في غزة إقناع إسرائيل وحماس، يسعى توماس باراك أيضاً إلى تسجيل نجاح لنفسه وإيجاد حل للعلاقة المعقدة بين دمشق -قوات سوريا الديمقراطية - تركيا، لذا فهو يطرق كل الأبواب. في الواقع، يوجد حالياً في الظاهر مفاوضات بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية للاتحاد مع الجيش والحكومة السورية، لكن يلزم تحول أكثر أهمية لكي يتم تنفيذ اتفاق الجولاني - كوباني كما يتمنى باراك، وهذا مرتبط ليس فقط بالديناميكية الداخلية لسوريا، بل أيضاً بمستقبل عملية نزع سلاح حزب العمال الكوردستاني وأحاديث دولت باخجلي.

Share this Post

تحليل