تحليل

هل صحيح أن العراق يعاني من أزمة نقدية؟

01-01-2025


بلغت قيمة الدولارات التي باعها البنك المركزي العراقي في الداخل والخارج هذا العام أكثر من 62 مليار دولار، وبالتالي حصل البنك على ما يعادلها بالدينار العراقي والذي بلغ نحو 80.6 تريليون دينار لهذا العام. على صعيد آخر، وصلت الإيرادات غير النفطية للحكومة من الضرائب والرسوم والمنافذ الحدودية حتى نهاية تشرين الأول 2024 إلى 14.3 تريليون دينار،وبالتالي فإن المبلغين معاً يصلان إلى نحو 95 تريليون دينار، لكن حتى نهاية شهر تشرين الأول بلغ إجمالي نفقات العراق 122 تريليون دينار، أي أنه لا يزال هناك شهران من نفقات السنة في حين نفدت الدنانير المتحصلة من عائدات الدولار التي تأتي من النفط.

وحدث هذا في الوقت الذي تشير فيه تقارير البنك المركزي إلى أنه لم يتم طرح الدولار نقداً وحوالة خلال السنوات السبع الماضية بقدر ما تم طرحه هذا العام، حيث زادت النسبة بمقدار 34% عن العام الماضي، وبهذه النسبة عاد الدينار إلى خزينة البنك المركزي ومن ثم وزارة المالية، لماذا إذن يتحدثون عن نقص السيولة النقدية لتوزيع رواتب شهر كانون الأول لبعض المؤسسات في بغداد وحصة رواتب شهر تشرين الثاني لإقليم كوردستان؟

وفقاً لتقارير وزارة المالية العراقية حول الإيرادات والنفقات خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، بلغ إجمالي النفقات 94.5 تريليون دينار، منها 85 تريليون دينار نفقات تشغيلية و9.5 تريليون دينار نفقات استثمارية، لكن وفقاً لتقرير الوزارة لشهر تشرين الأول، ارتفع إجمالي النفقات إلى 122.7 تريليون دينار، حيث وصلت النفقات التشغيلية إلى 100.6 تريليون دينار والنفقات الاستثمارية إلى 22 تريليون دينار.

إذا نظرنا إلى الأشهر السابقة، يتضح أن النفقات الشهرية تراوحت بين 10 و11 تريليون دينار. فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي النفقات منذ بداية العام وحتى شهر تموز 73 تريليون دينار، وارتفع في شهر آب إلى 83 تريليون دينار، وفي أيلول وصل إلى 94 تريليون دينار، أي أن النفقات الشهرية كانت تتراوح بين 10 و11 تريليون دينار ولكن في شهر تشرين الأول ، بلغت النفقات 28.2 تريليون دينار، ليصل الإجمالي منذ بداية العام وحتى نهاية تشرين الأول إلى 122 تريليون دينار.يعني أنه في ذلك الشهر، بدلاً من 11 تريليون دينار شهرياً، تم إنفاق 28.2 تريليون دينار، وذلك بسبب نوعي النفقات التشغيلية والاستثمارية. حيث ارتفعت النفقات التشغيلية التي كانت تتراوح بين 9 و10 تريليون دينار شهرياً، إلى 15.6 تريليون في شهر تشرين الأول من هذا العام، في حين ارتفعت النفقات الاستثمارية من تريليون دينار شهرياً إلى 12.6 تريليون دينار في نفس  الشهر.

لا تتوفر حالياً السيولة النقدية لدى وزارة المالية لتغطية نفقات نهاية العام الحالي بسبب مصروفات شهر أكتوبر/تشرين الأول، حيث تضاعفت النفقات ثلاث مرات خلال شهر واحد. وعلى صعيد العائدات، فقد تجاوزت الإيرادات النفقات خلال الأشهر العشرة الماضية، لكن لم يكن بالإمكان تحويل كامل عائدات النفط إلى الدينار العراقي أو تلبية الاحتياجات المحلية بالدولار، وذلك بسبب قرارات الحكومة التي تقضي بأن تكون جميع المعاملات المحلية بالدينار وكافة المعاملات الخارجية بالدولار وعن طريق الحوالات المصرفية.

وفقاً لما ورد في تقرير وزارة المالية العراقية، فقد ارتفعت النفقات في شهر تشرين الأول بشكل كبير، حيث بلغت 28 تريليون دينار، وهو ما يتجاوز الإيرادات المتأتية من مبيعات الدولار للخارج والداخل مع الإيرادات غير النفطية المحلية، وبزيادة قدرها نحو 18 تريليون دينار عن نفقات الأشهر السابقة.

كما أنه من غير الواضح كيف ستتمكن وزارة المالية من تغطية نفقات نهاية العام، إذ إن 95% من إجمالي العملة العراقية المطبوعة موجودة خارج البنوك، والتي تبلغ قيمتها 95.5 تريليون دينار من أصل 101.3 تريليون دينار حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

الواقع يكشف عن ضعف في النظام المالي وغياب سياسة واضحة للإنفاق والإيرادات في العراق. فرغم أن وزارة المالية لم تصرف سوى 60 %من الميزانية المخصصة لها، إلا أنها تواجه مشكلات مالية. ولو تم تنفيذ الميزانية كما هو مخطط لها، لظهرت أزمة السيولة في منتصف العام وليس في نهايته.

في النهاية، وردا على السؤال حول ما إذا كان العراق يعاني من أزمة نقدية، نعم صحيح أن العراق يواجه أزمة نقدية، لكنها ليست بسبب انخفاض عائدات النفط أو انخفاض أسعار النفط أو نقص السيولة أو عدم توفر الدولار، بل بسبب السياسة المالية للدولة التي أدت إلى زيادة النفقات بنسبة تقارب 300% في شهر واحد.

Share this Post

تحليل