ستضيف البحرين حوار المنامة لعام 2022 مرة أخرى. من المقرر ان يجري حوار المنامة من 18 تشرين الثاني وحتى 20 من الشهر ذاته. من الجدير بالملاحظة ان نسخة هذا العام تركز عن امن الطاقة بدلا من المواضيع الامنية والعسكرية. حيث عمل المركز الدولي للابحاث الاستراتيجية في السنوات الماضية على هذين السلكين ولكن نسخة هذه السنة مختلفة عن التي ادارتها سابقا.

عنوان الدورة 18 من حوار المنامة هو "القوانين والمنافسات في الشرق الأوسط". لكن وفق برنامج المؤتمر لهذه السنة من المقرر ان يبتبدأ المؤتمر بخطاب من اورسولا فوندرلاين, رئيسة الكومسيون الاوربي. سيكون خطابها محل اهتمام كبير لأننا نقترب يوميا من الأشهر الباردة ويمثل موضوع الطاقة وتامينها لدول الاتحاد الاوربي أولوية. وهذا في وقت تمثل ازمة الحرب الاوكرانية الروسية والامن الغذائي وتغيرات المناخ محاور اساسية اخرى من المؤتمر.

على عكس الجولات السابقة ، هذه المرة قضية أمن الطاقة ودور دول الشرق الأوسط ، وخاصة دول الخليج ، في إعادة الإمداد أو المشاركة في سلسلة التوريد الخاصة بأمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي هي مسألة جدية. ومع ذلك ، فقد كانت السعودية والإمارات مؤخرًا ضد هذه المطلب. تبحث أوروبا الآن عن سد احتياجاتها من الطاقة بعيدا عن روسيا. لكن حتى الان لم تسد اوربا كامل احتايجاتها ولم تنهي اعتمادها على روسيا في هذا الامر. اوربا تصر على اتمام هذا المخطط على الرغم من فارق التكاليف والذي يعتبر اكثر.

خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام ، ما يلفت الانتباه في سوق الطاقة ، وخاصة أوروبا ، هو انخفاض واردات الغاز من روسيا ، ومضاعفة الواردات من الولايات المتحدة من الغاز المسال ، مما يعني أنه من المتوقع أن تتشكل خريطة الطاقة الجديدة في العام أو العامين على الرغم من توقف او استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

أستمرار العقوبات المفروضة على روسيا وزيادة المساحات الثلجية في العالم جعل قمة الأمم المتحدة السابعة والعشرون لتغير المناخ في شرم الشيخ تركز على كيفية ضمان أمن الطاقة للعالم ، وخاصة أوروبا ، بدلاً من تصفير زيادة الحرارة وتغير المناخ.

حالا لا تتعلق قضية أمن الطاقة فقط بضمان الطلب والعرض أو توازن الأسعار في سوق الطاقة. لكنها تتطلب أيضًا أمان سلسلة التوريد والاستثمار في الطاقة (الطاقة التقليدية والمتجددة) ، وضمان أمن نقل الطاقة ، وبناء خطوط جديدة من التحالفات الجديدة بين المنتجين والمستهلكين لعقود قادمة ، لذلك في هذا التقرير سوف نركز أكثر على أسباب اضطراب السوق وأمن الطاقة في العالم.

أسباب اضطراب السوق وأمن الطاقة في العالم

يعاني سوق الطاقة العالمي وخاصة سوق النفط حاليًا سبب عدة عوامل رئيسية. أهم تلك العوامل هي الكوارث الطبيعية ، والأحداث الفنية ، والأزمة الجيوسياسية ، والركود الاقتصادي العالمي. لكن رغم كل هذا ، فمن المتوقع بقاء النفط كأحد العوامل الرئيسية في الطاقة العالمية للسنين القادمة وتحديدا بسبب قطاع النقل. ومن هذا المنطلق ، فإن دول أوبك تكثف جهودها لرفع مستويات الإنتاج والمطالبة بالاستثمار في هذه الصناعة ، بينما تطالب الدول والمؤسسات المتحالفة مع وكالة الطاقة العالمية بالابتعاد عن الطاقة التقليدية والاستثمار في الطاقة المتجددة.

من ناحية أخرى ، تاريخيًا ، تم تقسيم أسواق الغاز الطبيعي إلى أسواق إقليمية. أي أن مصادر الإمداد داخل المناطق والأقاليم كانت متصلة بالمستهلكين عبر خطوط الأنابيب. كان يعتبر الغاز المسال كبديل لكن الواقع يظهر العكس. بطريقة تنهي سوق الغاز الطبيعي بين البلدان المجاورة والاقليمية. في الحقيقة, سيولد سوق جديد ومختلف كالتي نشهدها حاليا.

بأختصار سنذكر الاسباب الثلاث الرئيسية لأضطراب سوق الطاقة والاهتمام بأمن الطاقة. سنركز على التغيرات التي ستطرأ لهذا السبب في سوق الطاقة.

1. تلبية الاحتياجات الحالية لا الاحتياجات المستقبلية

انعقدت قمة الأمم المتحدة السابعة والعشرون لتغير المناخ في شرم الشيخ مؤخرًا والتي ناقشت الانتقال إلى الطاقة النظيفة وكيفية منع تغير المناخ وتوفير الموارد المالية الدول الفقيرة لمواجهة تغيرات المناخ فيها ، مناقشة كيفية ضمان أمن الطاقة العالمي ، والتحكم في أسعار النفط والغاز ، وتغيير خطوط نقل الطاقة بين منتجي الطاقة والمستهلكين. من الواضح أن الحفاظ على توفير الدفئ في هذا الشتاء أكثر أهمية للدول المستهلكة للطاقة ، وخاصة أوروبا ، من منع كوارث التغير المناخي في السنوات القادمة. ولذلم بسبب اهمية احتياجات الحاضر من المستقبل!

منذ 2020 ، توقعت معظم الشركات أن تقلل من الاستثمار في الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة ، ولكن الآن ، كما يقول الرئيس التنفيذي لشركة BP ، "يجب على صناع السياسات التركيز على تطوير خطط للحفاظ على أمن الطاقة والقدرة على التوريد. كذلك تقليل الانبعاثات. لتغيير سياسة الطاقة ليس فقط للحكومات ولكن أيضًا لسياسات شركات الطاقة الكبيرة. سجلت شركات للنفط والغاز السبع (الأخوات السبعة) في العالم وحدها أرباحًا تجاوزت 173 مليار دولار في الأشهر التسعة الماضية . حيث كانت الارباح كالتالي:

إكسون موبيل 70 مليار دولار

بي بي 20 مليار دولار

وشل وتوتال 59 مليار دولار.

في الواقع ، 31.4٪ من حاجة أوروبا أو طلبها على الغاز الطبيعي هو لتوليد الكهرباء والتدفئة ، و 24٪ للمنازل ، و 22.6٪ للصناعة ، و 10.6٪ للخدمات ، و 11.4 للاستخدامات الأخرى. هذا يظهر تقريبا 50% او اكثر من النصف مرتبط بالبشر لذلك لا يمكن تاخيرها او عدم ضمان الحصول عليها.

2- الاستثمار في قطاع الطاقة (النفط والغاز والطاقة المتجددة)

في أيام تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط إلى ما دون الصفر ، كان صناع القرار في الشركات الكبرى مثل إكسون موبيل ، وبي بي ، وشيفرون ، وتوتال ، وحتى الشركات الوطنية مثل أرامكو ، وشركة نفط دبي الوطنية ، وشركة النفط الوطنية الصينية ، إلخ. ، انخفض إنفاقهم والاستثمارتهم في قطاع الطاقة التقليدية  قد قللوا الصرفيات، لأنه بالإضافة إلى انخفاض الأسعار في تلك الايام كانوا ماضين نحو صافي الصفر ، وحماية كوكبنا وتجنب استخدام النفط والغاز والاستثمار في الطاقة المتجددة. هذا ما جعل الشركات تغير إنفاقها للاستثمار في وقالت أرامكو إن الطاقة المتجددة ، بحسب كلام مديرها العام ، "سينخفض ​​الاستثمار في النفط والغاز إلى النصف بين 2014 و 2021 ، والزيادة في العام الماضي قليلة للغاية ومتأخرة للغاية على المدى القصير".

لذلك ، يرى بعض الخبراء أزمة الطاقة الحالية إلى تاثير الحرب في روسيا وأوكرانيا لخلق هذه الازمة هو متساوي الى تاثير تراجع الاستثمار في هذا القطاع. أصدرت وكالة الطاقة الدولية هذا الشهر "آفاق الطاقة العالمية 2022" ، مشيرة إلى أن "زيادة كبيرة في الاستثمار في الطاقة أمر مهم للتخفيف من مخاطر ارتفاع الأسعار والتقلبات في المستقبل ، وفي الوقت ذاته الالتزام على خطة الصافي الصفر بحلول عام 2050". وبالمثل ، أصدرت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) "توقعات النفط العالمية 2040" ، داعية المستثمرين إلى استثمار 12.1 تريليون دولار في النفط لضمان أمن الطاقة العالمي وتلبية الطلب على مدى العقدين المقبلين أي 300 مليار دولار أكثر من العام الماضي. "

3. نقطة تحول في الاتصالات من حيث توفير أمن الطاقة

إن إعادة هيكلة العلاقات في مجال الطاقة تجعل أوروبا تتجه إلى الولايات المتحدة وتترك روسيا لضمان أمن طاقتها. لسنين عديدة استخدم الاتحاد الأوروبي مصدرًا رخيصًا ومستدامًا للطاقة لسنوات عديدة ، لذلك وضعت روسيا مؤخرًا خطًا جديدًا يحمل نفس الاسم مثل خط نورد ستريم السابق ، والذي لم يتبقى عليه الا فتح الانبوب ، لكن غزو روسيا لأوكرانيا انسى الشركة الروسية المملوكة للدولة هذا المشروع. لا وبل يتم الان الحديث عن غلق الانبوب القديم وغلق كل وسائل تصدير الغاز الطبيعي.

وفقًا لشركة BP ، حوالي 65 في المائة من الطاقة في أوروبا مشكلة النفط والغاز. وقبل الحرب الأوكرانية الروسية كان اعتماد اوربا على روسيا يشكل 40% ، لكن الاعتماد الآن انخفض إلى 17.2% فقط في أكتوبر.

في الثالث من أكتوبر، أعلنت اللجنة المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول أمن الطاقة أنها اجتمعت لتنفيذ اتفاقية مارس بين جو بايدن وأورسولا فونديرلاين ، والتي تهدف إلى مساعدة الاتحاد الأوروبي على تنويع وارداته من الغاز الطبيعي. وفقًا للاتفاقية الولايات المتحدة ملزمة بأرسال كمية اكبر من الغاز المسال الى اوربا والتي زيادة 15 مليار متر مكعب على الكمية المصدرة سابقا في عام 2021. لكن هذا العام ، بين ديسمبر 2022 وأكتوبر 2022 فقط ، صدرت الولايات المتحدة 48 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا ، كما هو موضح في الرسم البياني الأول.

وبحسب اللجنة المشتركة ، من المتوقع أن تصل زيادة الصادرات في عام 2023 مقارنة بعام 2021 إلى أكثر من 50 مليار متر مكعب. قبل كل شئ, ناقشت اللجنة المشتركة كيفية إشراك الجيش في ضمان أمن سلسلة التوريد وتجديد الموارد في عام 2023 بحيث تعكس الأسعار القاعدة الاقتصادية والدفع المشترك للجانبين لاستقرار سوق الطاقة. من المتوقع أيضا أن تصل صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى أكثر من 70 مليار متر مكعب في عام 2023 ، بزيادة قدرها 50 مليار متر مكعب عن 22.34 مليار متر مكعب في أوروبا.

الرسم البياني 1: صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2021 و 2022

أرسلت الحرب الروسية الأوكرانية إشارة واضحة إلى الدول المنتجة والمستهلكة من جميع النواحي ، لا سيما فيما يتعلق بالطاقة ، بأن الضمان الوحيد للإمداد يجب أن تكون محاولات سد الاحتاجيات محلية. الاعتماد على المصادر الأجنبية قد يضعك في موقف لا يمكن التنبؤ به. لكن السؤال الكبير هو ما الدروس الذي سنتعلمه من الابتعاد عن روسيا والتوجه نحو الولايات المتحدة وحلفائها حول ضمان أمن الطاقة وأسواق الطاقة وإعادة هيكلة العلاقات ؟ لأن اوربا ستغير مجرى النقل لا مصدر الامداد وذلك كما هو المعلن حتى الان.

اتضح ايضا أن المصدر الوحيد لتأمين الاحتياجات المحلية هو الإنتاج المحلي وليس الاعتماد على مصادر خارجية ، لكن هذا قد يكون صحيحًا فقط من حيث نوع الحلفاء ووجود العلاقات. لان اضطراب علاقات روسيا والاتحاد الاوربي جعلت اوربا تدير ظهرها عن روسيا وتتجه نحو اميركا.

أخيرًا ، لا يقتصر تشكيل علاقات الطاقة وأمن الطاقة على البلدان المستهلكة والمنتجة فحسب. بل يتعلق أيضًا بالشركات الكبرى والتجار وشبكات المصالح المختلفة ، مثل الأخوات السبع (إكسون ، وشيفرون ، وشل ، وبي بي ، وتكسكو ، وجولف وموبيل ) التي لعبت دورًا في تشكيل سياسة الطاقة لما يقرب من قرن من الزمان من حيث الاستكشاف والإنتاج والتصدير وحتى حقوق الاستخدام. لذلك قد يكون لدى الشخصيات القديمة مثل هؤلاء الأخوات السبع التي تمتلك موارد مالية وتكنولوجية وبشرية منذ منتصف هذا القرن. لكن توطين الشركات النفطية تظهر ولادة سبع اخوات جديدة. ظهرت أخوات يسيطرن على ثلث احتياطيات وإنتاج النفط والغاز في العالم ، مثل أرامكو وجازبروم ومؤسسة البترول الوطنية الصينية ومؤسسة البترول الوطنية الإيرانية وبترولوس فنزويلا وبتروبارز البرازيل وبتروناس ماليزيا.... لذلك لن يكون من السهل مناقشة التغييرات وراء إعادة تشكيل خريطة الطاقة في العالم لأن شخصيات جديدة واهتمامات جديدة برزت تطمح أن تلعب دورًا في إعادة تشكيل خريطة الطاقة في العالم ، سواء كانت تقليدية أو متجددة.