مرت بضعة ايام على الجدل الذي حدث حول تصريحات قاسم ششو احد القادة العسكريين في البيشمركة للمجتمع الأيزيدي حول الإسلام. بالرغم من ان التشنجات قد قلت الآن إلا اننا يمكننا ان نقول ان المسألة ليست فقط مسألة جدل ديني- إجتماعي ولديها ابعاد اعمق من ذلك وقد يكون الأمر مرتبطًا بزيادة حدة خطوط الصراعات الجيوسياسية الداخلية للعراق وإقليم كوردستان.
إجتاحت داعش سنجار شهر آب عام 2014, وكان ششو احد قادة البيشمركة الذين ضلوا في ساحات القتال حتى يوم تحرير سنجار في 13 من نوفمبر عام 2015. في شهر نيسان 2017 زرت سنجار بهدف كتابة بحث والتقيت بششو في مزار شرف الدين. رأيت في عينيه فخر قائد شجاع معتز ببقائه خلال فترة وجود داعش. والآن هو صور كشخص ضد الإسلام مما جرح مشاعر الكثير من الأكراد المسلمين. في الحقيقة عندما رأيته كان يحسب حساب كل كلمة تخرج من فمه وكان حريصًا الا تترجم معاداته لداعش على انها معاداة للدين الإسلامي والمسلمين. رأيت ايضًا الفيديو الذي اثار الجدل والذي سجل في ذكرى مأساة سنجار في الثالث من آب خلال هذا العام. بشكل عام تحدث عن مخاطر إطلاق سراح اعضاء تنظيم داعش وطلب من الناس شراء الأسلحة الثقيلة للدفاع عن انفسهم لأنه على حد قوله هناك إحتمالية لحدوث مآسي جديدة. اذا نظرنا الى كلامه كل على بعض ومع مراعاة حقيقة ان اللغة الكوردية لم تتطور في سنجار مثل باقي المناطق الكوردية الأخرى وان مصطلحات التعبير ليست واضحة كما ينبغي، حينه كان من الممكن ان تكون ردود الأفعال مختلفة عما هي الآن. بالطبع الصياغة الغير مسؤولة من بعض الوسائل الإعلامية لعبت دوراً كبيراً في ذلك.
يشعر الايزيدييون بخطر البقاء منذ زمن بعيد ويتجذر ذلك من الاحداث التاريخية والحالية. في هذا العام وحده، أعادت بغداد حوالي 9,535 من أهالي مقاتلي داعش العراقيين من معسكر هول، والذين سيتم نقلهم في البداية إلى معسكر إعادة التوطين في قرية جدعة في القيارة. ورغم أن الموقع يبعد أكثر من 140 كيلومتراً عن سنجار، إلا أن عملية العودة، التي يمكن أن تستمر لنحو 18 ألف عراقي آخر في مخيم هول، أثارت مخاوف بين الإيزيديين. وزاد قانون العفو العام الذي طالب به السنة والإفراج عن ما يقارب 200 من مقاتلي داعش في سوريا من مخاوفهم مؤخرًا. الخوف من الإبادة الجماعية بالنسبة للمجتمع الإيزيدي له أيضًا خلفية تاريخية طويلة.
الكثير من الأوامر المتعلقة بالإيزيديين صدرت من العرب والأتراك والأكراد السنة. وبحسب لازاريف، كان هناك حوالي 20 غزوة لسنجار خلال الفترة العثمانية وحدها. وتبقى هذه الحالة في الذاكرة الجماعية للإيزيديين وتتجدد مع الأحداث. لذلك، بالنسبة لبعض الإيزيديين، فإن كلمة كوردي لا تغطي هويتهم الجماعية مع نظراءهم المسلمين الذين يتحدثون نفس اللغة.
ويعتقدون أن نظراءهم المسلمين شاركوا في كثير من الأوامر بل وساعدوا الأتراك والعرب السنة على قتل الإيزيديين! وقد خلق ذلك فجوة كبيرة في هويتهم الدينية والعرقية، والتي أصبحت أكثر وضوحا من خلال تأكيدهم على هويتهم الدينية. وكثيراً ما تسمع بعضهم يقول أننا لسنا عرباً ولا أكراداً بل إيزيديين، وهذا نابع من تلك الخلفية. وبطبيعة الحال، فإن تمزيق الهوية العرقية للإيزيديين وتعتيم هويتهم الدينية لا يرتبط فقط بخوفهم من البقاء، بل هو أيضاً قضية استفادت منها الصراعات السياسية الداخلية في كوردستان والعراق.
على الصعيد الداخلي الكوردي، يتصادم حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبدرجة أقل الاتحاد الوطني الكوردستاني، بشكل أساسي حول هوية الإيزيديين. يريد الحزب الديمقراطي الكوردستاني الحفاظ على نفوذه في سنجار من خلال التأكيد على الأصل العرقي للإيزيديين. بالنسبة لإقليم كوردستان، تعتبر سنجار قمة القوس الجغرافي الذي يمكن استخدامه ضد أي موجة توسعية مناهضة للأكراد من الشمال الغربي. وفي المقابل يفضل حزب العمال الكوردستاني، في الاتجاه المعاكس وتصوير الإيزيديين كأقلية دينية منفصلة لأنه يحتاج إلى أن يكون خطابه مناهضاً لخطاب الحزب الديمقراطي الكوردستاني حتى يحصل على موطئ قدم في المجتمع الإيزيدي. ومن الناحية الجيوستراتيجية، تعتبر سنجار بوابة الغرب لحزب العمال الكوردستاني، في حين تعتبرها تركيا تهديدا وتعتبرها "قنديل الثانية" أكثر من كونها بوابة أمنية.
وهي بالنسبة للعراق حصن عسكري لضبط حركة المرور على حدوده مع سوريا وداعش وأمن مشروع طريق التنمية. تقع سنجار في الجزء الشمالي الغربي من إقليم كوردستان وهي منطقة جغرافية مهمة بين نهري دجلة والفرات. فهي تربط محافظتي الموصل والحسكة من الشمال، والمنطقة السنية في العراق من الجنوب الغربي وتلعفر من الجنوب الشرقي. وتبعد عن الموصل حوالي 120 كيلومترا وفيها سهل مناسب للزراعة وتربية الماشية بالقرب من نهر دجلة.
التأكيد على الهوية الدينية الأيزيدية بدلاً من عرقهم يعتبر أمراً مهماً لبغداد، حيث توفر هذه الخطوة فرصة لبناء حصن مهم في منطقة ذات أهمية جيواستراتيجية في البلاد. المناطق الشمالية من جبل سنجار، مثل قضاء سنوني والمجتمعات والقرى المحيطة بها، تتمتع بأغلبية كوردية إيزيدية. وكذلك المناطق الجنوبية مثل سنجار والمجتمعات والقرى المحيطة بها، وناحية القحطانية في البعاج. يعتبر وجود تنوع سكاني مثل الأكراد الإيزيديين في محافظة الموصل أمراً مهماً لبغداد، ويمكن أن يكون سبباً لاهتمام الحكومة الحالية بالقضية الإيزيدية. وبالنسبة لفصائل “جبهة المقاومة”، يعتبر جبل سنجار قاعدة عسكرية مهمة للسيطرة على الطرق والطائرات المسيرة والقتال المحتمل في المستقبل. تمتد سهول الأطراف الجنوبية لسنجار (القبلة) على مد النظر وجبل سنجار بارتفاع حوالي 1400 متر،تفصل المشهد الطبوغرافي لهذه المنطقة عن المنطقة المحيطة بها وتهيمن على صحاري العراق وسوريا. يتمتد هذا الجبل حوالي 75 كيلومترا نحو سوريا والغرب. ويصل عرض صطح الجبل في بعض الأماكن إلى حوالي 17 كيلومتراً، مشكلاً مساحة مسطحة على الجبل يطلق عليها سكان المنطقة اسم "سردشت". وهذه الخصائص من الناحية العسكرية مهمة جدا لإطلاق الطائرات بدون طيار والسيطرة عليها، وإطلاق الصواريخ لها أهمية كبيرة لمختلف الجهات الفاعلة من حيث الاستراتيجيات الدفاعية والهجومية. على سبيل المثال، إذا تم إطلاق صاروخ أو طائرة بدون طيار على إسرائيل من مكان مثل سنجار، فسوف يصل إلى إسرائيل على مسافة حوالي 700-800 كيلومتر في نصف الوقت الذي يستغرقه إطلاقه من مكان مثل إيران أو اليمن. ولهذا السبب فإن مصير سنجار مهم ليس فقط للجهات الفاعلة المحلية ولكن أيضًا للعديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. ولهذا فإن اتفاق 2020 بين إقليم كوردستان وبغداد لإدارة الإقليم لا يزال على الورق ولم ينفذ. وبالنظر إلى ما قيل، يبدو أن الصراع المتزايد بين الأكراد المسلمين والأكراد اليزيديين يمكن أن يكون مفيداً لصراع جيوسياسي أكبر في المنطقة.