تحليل

ما وراء الموزانة

13-06-2023


نبذة


بغض النظر عن الجانب الاقتصادي للموازنة العراقية، تمثل هذه الأخيرة مرحلة سياسية جديدة لم يسبق لها مثيل منذ أكثر من عقدين. الأمر أكبر بكثير من القصة المحلية التي ترويها الأحزاب الكوردية كجزء من التنافس الداخلي المستمر. القضية ليست مجرد تغيير التحالفات أو العمل لصالح طرف كوردي ضد الآخر. ما يحدث هو جزء من مرحلة سياسية أكبر في المنطقة بأكملها والتي قد تسبب المزيد من الضرر اليوم أو غدًا إذا لم يتمحور الكورد حول أنفسهم.

الموازنة نفسها مليئة بالقضايا الخلافية. تركز على الأمن بدلاً من الخدمات والقطاعات الأخرى، بالإضافة إلى التمييز بين الطوائف. لكن الجانب السياسي لها مهم للغاية، لدرجة أنه أمكن من إعادة النظر في الاتفاق بين أربيل وبغداد بشأن النفط والموازنة، وكذلك اتفاق رئيس وزراء إقليم كوردستان ونائبه.

من الممكن أن تكون النتيجة الطبيعية لهذه الموازنة التي يبدو أن الكورد وافقوا عليها بدافع الضرورة وبسبب المنافسة الداخلية مليئة بالعواقب المشحونة بالمشاكل والصراعات.

قانون الموازنة وكيان إقليم كوردستان

إن موازنة العراق الضخمة التي تزيد على 152 مليار دولار من غير المرجح أن تفعل الكثير لتنمية العراق بأسره. على سبيل المثال، تم تخصيص ما مجموعه حوالي 29 تريليون دينار للمؤسسات الأمنية والعسكرية في العراق، بينما تم تخصيص 31 تريليون دينار للوزارات الخمس الهامة مثل الصحة والبيئة، والشؤون الاجتماعية، والتعليم، والتعليم العالي، والموارد المائية.

دعت محادثات الموازنة العراقية إلى التساؤل حول اتفاقيتين مهمتين, اولها كانت اتفاقية النفط بين أربيل وبغداد، والتي كانت أرضية وسطية للوضع الحالي بعد تعليق صادرات النفط من إقليم كوردستان ، والثاني كان اتفاق بين رئيس الوزراء لإقليم كوردستان ونائبه بسبب المشاكل الداخلية.

رئيس وزراء اقليم كوردستان ونائبه

وبحسب الاتفاقية الموقعة بين أربيل وبغداد، سيتم بيع 400 ألف برميل من النفط عبر سومو، وستودع الأموال في حساب بنكي يمتلك رئيس وزراء إقليم كوردستان صلاحية إنفاقه. فضلت بغداد في البداية أن يكون الحساب في البنك المركزي، لكن البرلمان اتخذ القرار فيما بعد وغيّر المادة 14 من الموازنة، مما عقد الاتفاق المبرم مع إقليم كوردستان.

سيتم وضع الأموال في حساب مصرفي يفتحه البنك المركزي أو بنك آخر موثوق من قبل البنك المركزي. وبالتالي، فإن الخلافات السياسية بين أربيل وبغداد قد تلقي بظلالها على مصير الحساب المصرفي الذي يرتبط أولاً بوزارة المالية والبنك المركزي قبل أن يرتبط بإقليم كوردستان.

 نقطة أخرى هي أن تسوية الخلافات بين أربيل وبغداد، وهي القضايا الرئيسية حول النفط والمعابر الحدودية والإيرادات المحلية، منوطة ببرلمان يحظى بأغلبية من الإطار التنسيقي. هذا على الرغم من حقيقة أن تسوية النزاعات ترتبط أولاً بالتنفيذ، ثم بالمحكمة الفدرالية.

بشكل عام، يمكننا القول إن التغييرات في مواد القانون وخاصة المادة 14، بقدر ما أضرت بموقف إقليم كوردستان، قد تكون أيضاً ضربة لموقف السوداني، والتي يمكن تفسيرها بأنها نتاج لتنافس شيعي داخلي. يبدو أن الشيعة تلقوا درسا من ما حصل مع الكاظمي ولا يريدون أن يكون السوداني قادرًا على التصرف بشكل مستقل في بعض الأحيان بدعم من إقليم كوردستان كما حدث مع سلفه.

في الواقع، تعطي الفقرة الثامنة من المادة 14 لرئيس الوزراء العراقي دورًا عمليًا في إدارة إقليم كوردستان، وذلك من خلال دفع رواتب أو تمويل مباشر لأي محافظة محتجة في إقليم كوردستان.

بصرف النظر عن قرار الموازنة، فإن بغداد لديها اتصالات مباشرة مع المسؤولين في السليمانية بشأن القضايا الأمنية والاتفاقيات الحدودية مع إيران، والموازنة ليست سوى البعد الاقتصادي الرسمي.

تتناقض الأحزاب الكوردية حول هذا الموضوع، فبعضهم يرى فيه محاولة لتقسيم إقليم كوردستان، والبعض الآخر يراه ضمانة للعدالة والديمقراطية. لكن ما يلفت النظر أن ما حصل جاء بعد اتفاق بين رئيس الوزراء لإقليم كوردستان ونائبه الذي قاطع اجتماعات مجلس الوزراء لقرابة سبعة أشهر. وهذا يعني إما أن أساس الاتفاقية كان ضعيفًا وأن مشكلة الثقة بين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني لا تزال قوية، أو أن قادة الاتحاد يرون الموضوع من وجهة نظر أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، تحدد الموازنة البيشمركة على أنها قوة مشاة برية قد تجد صعوبة في الحصول على أسلحة وذخيرة متطورة في المستقبل، كما حصل في السنوات السابقة عندما منع تزويد البيشمركة بطائرات بدون طيار أمريكية.

أكثر من مجرد موازنة

 يمكننا القول إن الموازنة أدت إلى ثلاث نتائج لإقليم كوردستان. الأولى هي زيادة حدة النزاعات الداخلية في الإقليم، مما يعني أن الأحزاب الرئيسية قد تصبح أكثر جحودًا لبعضها البعض إذا لم يتغير شيء. الثانية هي أن الموازنة تمنح رئيس الوزراء العراقي سلطة عملية لإدارة إقليم كوردستان، وهو ما يمكن تفسيره على أنه يسمح له بتعامل إقليم كوردستان كإدارتين كلما رأى ذلك مناسبًا، ويعطي البرلمان العراقي الذي غالبيته من الأطراف الموالية لإيران السلطة للتعامل مع الخلافات بين أربيل وبغداد، مما يضيق فرص المناورة السياسية لإقليم كوردستان.

يتهم القادة الكورد بعض الأحزاب الشيعية بعدم الامتثال للاتفاقيات، وقد يكون الجحود الذي أظهرته مجموعات الإطار التنسيقي في محادثات الموازنة حول إقليم كوردستان مرتبطًا بالمناخ السياسي العام في المنطقة الذي يُعزز فرص إيران وبشار الأسد والجماعات الشيعية العراقية.

تعمل دول الخليج على تطوير علاقاتها مع طهران بالرغم من التقارب مع إسرائيل. هذه الأمور قد عززت فرص الإطار التنسيقي لزيادة الضغط على أربيل بدعم كوردي داخلي من خلال الاستفادة من السياسة العامة.

ليس الأمر مقتصرًا على القوة الحالية لدور إيران والأسد والجماعات الشيعية العراقية وحزب الله اللبناني، بل هناك جوانب أخرى من الأحداث الإقليمية. تركيا خرجت لتوها من الانتخابات ومن المتوقع أن تتبنى سياسة خارجية أكثر فعالية مع تعيين رئيس الاستخبارات هاكان فيدان وزيرا للخارجية. المواقف الأمريكية والإسرائيلية تجاه البرامج النووية والصاروخية الإيرانية هي عامل آخر يمكن أن يلعب دورًا في المستقبل. إيران لديها مشاكل مع الطالبان وأذربيجان على حدودها الشرقية والشمالية وتعلم أن الضغط المفرط قد يعقد القضية الكوردية. إضافة إلى ذلك، قد تؤثر القضايا الداخلية الإيرانية والمشاكل والصراعات الشيعية الداخلية في العراق، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، على تحديد اتجاه الأحداث.

النتائج

إلى جانب مناقشة الموازنة، هناك قضية مهمة تتعلق، بشكل عام، بالتوجهات الكوردية نحو القضايا الداخلية والحد من تحركاتهم في المنطقة. للحصول على صورة شاملة، من الأفضل الاطلاع على الموازنة وقرارات المحكمة الاتحادية والضغط على الأطراف في كوردستان الشرقية، ومسألة الحدود ومستقبل غرب كوردستان بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. الضغوط هي نتيجة للتغيير السياسي في المنطقة، ولا يمكن ضمان استقراره. الساحة السياسية في الشرق الأوسط دائما متقلبة، وهذا الوضع يعكس اختلالًا في توازن القوى بالمنطقة وداخل العراق. لذلك، من المحتمل ألا يبقى الوضع كما هو، وعلينا انتظار الوقت لنرى كيف ستؤثر الخطوات التالية لتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة والأحداث الداخلية في العراق على الوضع.

Share this Post

تحليل