تحليل

ما وراء الستار في اتفاقية سوريا وقسد

11-03-2025


الاتفاقية ذات النقاط الثماني بين سوريا وقسد تمثل منعطفاً تاريخياً مهماً في سوريا الجديدة. بالتأكيد، وبشكل افتراضي، فإن المكاسب التي قد يحققها الأكراد من خلال هذه الاتفاقية قد تكون أقل مما كان يمكن أن يحدث منذ عام 2011، ولكن بالنسبة للظروف الحالية تبدو وكأنها لعبة رابحة، حيث أنها المرة الأولى في التاريخ الحديث التي تعترف فيها سلطة سورية بهوية الأكراد ومشاركتهم السياسية والعسكرية. بالنسبة للجولاني، تعتبر الاتفاقية أيضاً فوزاً، لأنه الآن يستطيع مواجهة العقبات الأخرى أمامه بعقل أكثر راحة، هذا بالإضافة إلى الاتفاق على سيادة سوريا في المفاصل الرئيسية للمناطق الخاضعة لسيطرة قسد، والتي كان من الممكن أن تشهد حرباً. على الأرجح، بعد أحداث الأيام القليلة الماضية في المناطق الساحلية السورية التي قُتل فيها مئات الأشخاص، وكذلك احتمال تعزيز الجماعات الإسلامية المتطرفة، فإن العديد من دول العالم لا تريد أن تكون السلطة السورية مركزية. وفي الوقت نفسه، بالنسبة لمظلوم عبدي، وبعد رسالة أوجلان، والوضع المتغير في سوريا، والضغط الأمريكي والتحالف الدولي، فإن الاتفاق هو الخيار الأفضل.

النقطة الأولى والسابعة من الاتفاقية هي نقاط عامة ويمكن رؤية عبارات وجمل مشابهة في العديد من الاتفاقيات المماثلة. في النقطة الثانية، عند الحديث عن الأكراد كمجتمع أصيل في الدولة السورية، هناك تحولان مهمان: الأول هو عكس سلوك النظام السابق الذي كان ينظر إلى جزء كبير من الأكراد كمهاجرين ولم يمنحهم حتى هوية المواطنة، حيث وصفهم كسكان أصليين لهم الحق في المواطنة. هذا بالإضافة إلى أنه أشار إليهم كمجتمع يمكن أن يكون اعترافاً وخلفية لمحادثات مستقبلية بين الطرفين حول الحقوق الجماعية للأكراد، بالإضافة إلى حقوقهم كمواطنين أفراد. والثاني هو أنه في هذه المادة وفي النص الكامل للاتفاقية المطبوعة، باستثناء خط يد الجولاني، تم استخدام مصطلح "الدولة السورية" فقط وليس "الجمهورية العربية السورية"!

مع أن أمريكا والتحالف الدولي الذين يحتاجون إلى الاحتفاظ بقوة مسلحة لمحاربة الإرهاب يظهرون كمهندسي الاتفاقية، إلا أن النقطتين الثالثة والخامسة من الاتفاقية تكشفان أن تركيا كانت أيضاً طرفاً في هذا الأمر. لأن الجولاني نفسه يعلم جيداً أنه بدون موافقة تركيا، من الصعب أن يتمكن من الوفاء بوعده بوقف المعارك حول سد تشرين وقره قوزاق التي كانت جارية منذ ديسمبر 2024 بين قوات سوريا الديمقراطية والمجموعات الموالية لتركيا. هذا بالإضافة إلى أن إعادة اللاجئين إلى أماكن مثل عفرين ورأس العين التي استولت عليها تركيا في عامي 2018 و2019، تتطلب مرة أخرى موافقة أنقرة. وفقاً للمعلومات غير الرسمية المتاحة، جرى بعض من هذه المفاوضات مباشرة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، حتى لو أنكر الطرفان ذلك. وفقاً للاتفاقية، من المتوقع أن يعود آلاف الأكراد إلى أماكنهم في غضون شهر واحد. ومع ذلك، ليس من الواضح مدى سهولة تنفيذ ذلك، خاصة في ظل وجود العديد من التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان من قبل بعض المجموعات مثل الحمزات والعمشات، وليس من الواضح ما إذا كانت هذه المجموعات ستظل مسيطرة على المستوى المحلي عند عودة السكان النازحين أم أنه سيتم نشر قوة جديدة.

تعتبر المادة الرابعة من النص أحد أهم نقاط الاتفاقية، والتي تتحدث عن دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة. وهذا يختلف عن الحديث عن الحل، إذ يتعلق الأمر بدمج المؤسسات، مما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية ستبقى، ولكن بسلطات أقل نظراً لوقوعها تحت سيطرة إدارة الدولة. ولو كان الاتفاق يتعلق بالسيطرة الكاملة للدولة وحل الإدارة الذاتية، لما تم التطرق إلى مسألة المعابر الحدودية والمطارات وآبار النفط والغاز.

أما بخصوص قوات سوريا الديمقراطية، فيبدو أن اسمها سيتغير إلى فرقة أو أكثر من فرق الجيش السوري، كما حدث مع المجموعات الأخرى، ولن يكون مستغرباً إذا تولى بعض قادة قوات سوريا الديمقراطية مناصب في وزارة الدفاع السورية. وهناك حديث عن منصب نائب وزير الدفاع، رغم عدم الإعلان رسمياً عن أي شيء بهذا الخصوص حتى الآن.

قد تكون النقطة السادسة هي الدافع الرئيسي للشرع للتعجيل في هذه الاتفاقية التي تم إعداد بنيتها التحتية منذ ديسمبر الماضي بوساطة أمريكية وفرنسية وتحالف دولي، وبدعم من إقليم كردستان. فأحداث الأيام القليلة الماضية في المناطق الكنارية بسوريا من جهة قد وضعت علامات استفهام على القصة التي يريد المجتمع الدولي أن يقنع بها حول تحول مجموعة جهادية قديمة مثل هيئة تحرير الشام. فمقتل أكثر من ألف شخص أحيا مرة أخرى مخاوف التطرف في الدولة السورية الجديدة، ويريد الشرع من خلال هذه الاتفاقية مع قوات سوريا الديمقراطية أن يوصل رسالة مفادها أنه قادر على التوافق والاتفاق.

هذا بالنسبة للجولاني الذي يحتاج إلى اعتراف دولي ورفع للعقوبات و250-400 مليار دولار لإعادة بناء سوريا، يعتبر موضوعاً استراتيجياً. هذا فضلاً عن أن خوف تحول احتجاجات العلويين إلى اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد أخرى، بالنسبة للرئيس السوري بمثابة كابوس يمكن أن يؤرق نومه. وذلك في وقت يثير فيه مستوى تراجع سلطته على المجموعات المسلحة السنية المتحالفة معه الكثير من التساؤلات.

النقطة الثامنة من الاتفاقية هي جوهر الموضوع، وهي العمل على تنفيذ الاتفاقية بحلول نهاية هذا العام. وبلا شك في الشرق الأوسط، التوصل إلى اتفاق على الورق شيء وكيفية تنفيذه عملياً شيء آخر! ومن المرجح جداً أنه خلال الثمانية أشهر القادمة، ليس فقط الطرفان، بل العديد من الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، ستتصارع من أجل تنفيذ الاتفاقية وفقاً لرغباتهم. وفي النهاية، قوة الأطراف على الأرض والتوازن الدولي هو ما سيحدد مصيرها!

Share this Post

تحليل