في اليوم التالي للتوترات الأخيرة بين الجيش واليبشة في 2 آذار، ذهب رئيس الأركان العراقي عبد الأمير رشيد يارالله إلى شنكال. ثم أعلن الجيش أن “شنكال عادت آمنة”. لكن العلاقات بين الجيش واليبشة تسوء من حين لآخر، وتقع بينهم مواجهات. هذا لا يسمى حرباً، لكنه واحدة من المراحل التي تسبق إعلان الحرب، وباتت تتكرر في الآونة الأخيرة في فترات متقاربة. بسبب الوضع الداخلي للعراق ويبشة، من المبكر أن تتحول إلى حرب، لكن الوضع سيظل غير مستقر وتتكرر هذه الأحداث في بعض الأحيان.
في الحقيقة، السؤال ليس لماذا حدث هذا، لأنه كان متوقعاً وأشير إليه مراراً. لكن المهم أن نذكر به لنعرف إلى أين يتجه وضع شنكال!
الأمن واللاأمن في شنكال
قالت قيادة العمليات المشتركة في بيان، إن “الجيش والشرطة موجودان داخل قضاء شنكال، والمدينة آمنة الآن، وظاهرة حمل السلاح غائبة عنها.” في الحقيقة، لو نظرت إلى قضاء مركز شنكال لوحده، قد يكون ذلك صحيحاً، لكن توترات شنكال ليست فقط في مركز شنكال. عندما يذكر شنكال، فإنه مناطق الشمال ويقصد بها ناحية “سنون” والمجمعات والقرى المحيطة بها وصولاً إلى “خانصور”، إلى جانب المناطق الجنوبية من ” قوبلاتي”، والتي تشمل شنكال والمجمعات والقرى المحيطة بها مع ناحية كرعزير (القحطانية) في البعاج.
شنكال عادت آمنة، لأنه كلما حصلت توترات بين الجيش واليبشة، تكون هناك وساطة وتهدأ الأوضاع. لكن شنكال ليست آمنة، فتلك القوات لا تزال موجودة، والتوترات ستظهر مرة أخرى بعد فترة. في جهة الجنوب التي يطلق عليها الشنكاليون “قوبلاتي”، تتواجد في الغالب قوات الحشد الشعبي وفوج لالش. على الجانب الشرقي، بين الشمال و” قوبلاتي”، توجد قوات البيشمركة وقوَّات حماية إيزيدخان بقيادة حيدر ششو، وعلى الجانب الشمالي في “بارا” و”خانصور” و”برآمدين شيخ شمس” إلى وادي “كرسي”، ومن الجانب الآخر “سنون” و”دوكوري” باتجاه “دهولا”، إلى جانب جزء كبير من الجبل الذي يسمى “سردشت” هي مناطق خاضعة في أغلبها ليبشة.
شنكال لن تكون آمنة لأن فيها قوات عديدة ومختلفة، وليست مهمة أمنياً واقتصادياً للكورد وإقليم كوردستان والعراق فقط، بل هي على وشك أن تكتسب بعداً أكبر.
مخيم الهول وتوترات شنكال
بعد توقيع اتفاقية شنكال في عام 2020، يعتقد الكثيرون أن هذه هي المرة الأولى التي تنوي فيها حكومة بغداد تنفيذ هذه الاتفاقية بجدية. حيث أرسلت القوات والسلاح الكثير إلى تلك المنطقة. وفي 26 من الشهر الماضي عين مصطفى الكاظمي نجم الجبوري محافظ نينوى الحالي قائممقاماً لشنكال! من المعروف أن توفير الأمن والأمان باستخدام الجيش (خارج مركز قضاء شنكال) والشرطة الفيدرالية (داخل مركز القضاء) وإنشاء قوة قوامها 2500 شنکالي، إلى جانب تغيير القائممقام، هي أمور وردت في بنود اتفاقية شنكال الموقعة في تشرين الأول 2020.
لكن اعتراضات مختلفة، دفعت الكاظمي إلى إيقاف تنفيذ قرار تعيين نجم الجبوري كقاممقام. وعلى حد علمي، فإن رئيس الوزراء لم يستشر الطرف الثاني في اتفاق شنكال، حكومة إقليم كوردستان، في موضوع تعيين نجم الجبوري. لذا من المستبعد أن هذا كان من أجل تنفيذ اتفاقية شنكال.
ويشير اختيار جندي مثل نجم الجبوري لمكان مثل شنكال إلى أن الحكومة وضعت بعض القضايا الأمنية في أولوياتها.
من المعلوم، بعد أحداث سجن غويران بالحسكة في العام الماضي، كان هناك خوف كبير على مخيم الهول، الذي لا يستطيعون السيطرة عليه رغم كل المساعي. داعش يعتقل الناس في المخيم ويقتل الناس ولا يستطيع أحد العثور القبض أو العثور عليهم. ويخشى العراق من مصير مخيم الهول الذي يبعد عن شنكال بحوالي 10-15 كيلومتراً فقط، وقد قال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إن الهول خطر حقيقي.
ودعونا لا ننسى أن جهاز الأمن القومي واحد من المسؤولين عن ملف شنكال، وفقاً لاتفاقية شنكال. قرر العراق إعادة جزء من العراقيين في مخيم الهول إلى مخيم الجدعة في محافظة نينوى. كما سيعيد مجموعة من مقاتلي داعش الأسرى الذين قد يتراوح عددهم بين 5000 و6000 إلى سجون إقليم كوردستان. يبدو أن صناع القرار العراقيين مجبرون لدرجة كبيرة على تعزيز الحدود. بعد حادثة سجن غويران في الحسكة، زار مصطفى الكاظمي الحدود بنفسه ومنذ ذلك الوقت تصاعدت وتيرة بناء الجدران ومد الأسلاك في جزء من الحدود. من هنا، تكتسب حركة الجيش نحو شنكال معنى أكبر. يعرف العراق أن من المستحيل التغلب أي مشكلة مع وجود هذه القوات المتعددة في شنكال. من ناحية أخرى، وحتى إن لم يكن هناك خطر عودة داعش، فإن الحكومة ترغب في السيطرة على الوضع في شنكال بشكل كامل، وفي حال استعادت الحكومة قوتها، لن يكون هناك مستقبل ليبشة، تبقى معه يبشة و”إدارة شنكال الذاتية” على ما هي عليه الآن.
صراع الممرات في شنكال
شنكال، هي الآن منطقة مهمة تتنافس فيها القوى، وتدفع وكلاءها ضد بعضهم البعض دون الانخراط في حرب مباشرة، لكن الأمر لا ينحصر في هذا فقط، وتكاد قضية شنكال تتخذ بعداً جغرافياً – اقتصادياً مهماً. في السنوات الأخيرة، يحلم العراق بأن يصبح ممراً للنقل البحري – البري، ويريد أن يجد لنفسه مكاناً من خلال مشروع “ميناء الفاو” بين ميناء ميرسين (تركيا) وميناء بندر عباس في (إيران) والشارقة في (الإمارات العربية المتحدة)، ويزيد من خلال ربط الفاو مع فيشخابور عبر السكك الحديدية والطرق البرية أهميته كممر تجاري. تسبب غلق قناة السويس العام الماضي في أضرار اقتصادية كبيرة، وتسبب لفترة في مشاكل مرورية بين البحر الأبيض والبحر الأحمر. من هنا يكون يكتسب العثور على ممر بديل بعداً دولياً. في ديسمبر 2021، تم نقل أول حمولة سفينة من الشارقة بالإمارات إلى بندر عباس الإيراني، ومن هناك إلى تركيا براً، ويعمل هذا الخط حالياً. نقل الشحنة بهذه الطريقة، يستغرق من 6 إلى 8 أيام للوصول إلى تركيا، أما إذا تم نقلها عبر البحر الأبيض – قناة السويس والبحر الأحمر، فسيستغرق الأمر حوالي 21 يوماً.
فإذا أكمل العراق مشروع ميناء الفاو وهيأ طريقاً أسهل وأصلح طرقه البرية المؤدية إلى تركيا، فسيوفر طريقاً أسهل لنقل البضائع بين دبي وتركيا وبالعكس. بعد أن فرض بعض دول الخليج الحصار على قطر، فتح العراق قناة مائية لقطر وأرسل البضائع المستوردة عبر البصرة إلى قطر، لذا فلديه تجربة في هذا المجال. ومؤخراً وقعت تركيا والإمارات العربية المتحدة 13 اتفاقية، إحداها تتعلق بالنقل البري – البحري. كما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن العراق سيكون أحد طرق نقل البضائع بين تركيا والإمارات العربية المتحدة.
يوجد الآن طريق بري بين العراق وتركيا، ومن السهل إصلاح المناطق التي تحتاج إلى إصلاح. هناك مشكلة كبيرة واحدة فقط في الطريق الواصل بين تلعفر والحدود. باشرت الحكومة أيضاً حملة لتجديد شبكة خطوط السكك الحديدية وأهمها الخط الذي يمر بالموصل. تمتد شبكة السكك الحديدية من البصرة إلى الناصرية والسماوة والديوانية والحلة، ومن هناك إلى كربلاء وبغداد، ومن بغداد إلى بعقوبة – سامراء، حيث تصل إلى وادي المر على حدود محافظة نينوى، ثمتتجه إلى حمام العليل، ومن هناك إلى الموصل ثم إلى ربيعة. في ما مضى، كانت السكك الحديدية مرتبطة بتركيا، لكن الحروب وإهمال الترميم تسبب في تعطيل معظم خطوط السكك الحديدية. وتعمل الحكومة الآن بشكل مكثف لتجديد خطوط السكك الحديدية، بما في ذلك محطة “وادي المر” في الموصل، على بعد حوالي 120 كيلومتراً من شنكال.
لا شك أن إعادة فتح ممر تركيا – العراق – الخليج يعني التقليل من أهمية إيران كممر، أو على الأقل سيكون لها بديل! نقطة أخرى هي أن العراق يجب أن يوفر الأمن لنينوى من أحل فتح هذا الممر. إذا نظرنا من وجهة النظر هذه وسألنا عن أمن نينوى بشكل عام وليس شنكال فقط، من سيكون المستفيد؟ ومن سيكون المتضرر؟ عندها ستكون التوترات في شنكال ذات مغزى أكبر.
هەڵبەت ئەم بابەتە تەنیا پرسێكی نیودەوڵەتیش نییە. بۆ پەكەكە وئیدارەی رۆژئاوای كوردستانیش، شنگال رێڕەوێكی گرنگە ونایەوێ لە كیسی بكات.
بالطبع، هذه ليست قضية دولية فحسب. بل أن شنكال ممر أساس لحزب العمال الكوردستاني وإدارة كوردستان الغربية، ولا تريد أن تخسره.
لهذا السبب رأت “تافدام” في غرب كوردستان أن حماية شنكال دين عليها. كما أن شنكال والجزء الشمالي من محافظة الموصل بصورة عامة، عند بعض الفصائل المسلحة، يعدان طريقين مهمين للتهريب يمكن أن ينفعا بعض القادة المحليين لبعض الفصائل المسلحة. هنا، وعندما تتداخل العوامل المحلية والإقليمية، تظهر رغبة في أن تستمر التوترات ليس في شنكال فحسب، بل في كل سهل نينوى أيضاً. لذلك، فإن التوترات في شنكال والهجمات الصاروخية المستمرة على إقليم كوردستان من سهل نينوى مرتبطة ومكملة لبعضها البعض كحلقة أحد أغراضها هو وضع عوائق في طريق الممر الرابط بين الخليج والعراق وتركيا.
خاتمة
التوترات في شنكال أكثر أهمية من موضوع اليبشة. فمشكلة شنكال مرتبطة بعدة عوامل أساسية في المدى القصير، مثل الوضع في مخيم الهول وأمن الحدود السورية العراقية، وفي المدى الطويل، هي مرتبطة برغبة الحكومة في فرض سلطتها. فكلما كانت الحكومة أقوى، سيكون مكان يبشة في مهب الريح. كما تضغط الحكومة على إقليم كوردستان في الأمور المرتبطة بالسيادة، فكيف ستسمح لقوة أخرى بمواصلة الادعاء بسيادتها على في شنكال على المدى الطويل؟ لا شك أن أمام الحكومة الكثير لتستعيد قواها، فهي تعاني الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية التي تنهكها. تصرفات الحكومة حالياً ناجمة في الأكثر عن الخوف من مخيم الهول. لهذا السبب تتكرر هذه الأحداث في شنكال من وقت لآخر ولا تزال تتسامح مع اليبشة هناك. إذا كانت التوترات هذه المرة على طريق “سنون” و”خانصور”، فإن التوتر التالي سيكون في معظم الأجزاء الشمالية من شنکال. مع وجود احتمال كبير، أن توافق الحكومة في النهاية وعلى المدى القصير، على بقاء يبشة في أماكن مثل “خانصور” ووادي “كرسي” و”سردشت” (على جبل شنكال). فسيطرة قوة مثل اليبشة التي لا تمتلك صواريخ بعيدة المدى ولديها أسلحة خفيفة فقط، على جبل شنكال لن تشكل تهديداً للعراق.
السيطرة الكاملة على الوضع في شنكال من قبل الحكومة تتعارض بالتأكيد مع بعض المصالح المحلية والخارجية؛ وعلى المدى القصير، لن تتمكن الحكومة من النجاح في جميع خططها المتعلقة بشنكال، وكما بقيت اتفاقية شنكال على الورق فقط في حينه. لم تعد قضية شنكال مجرد قضية كوردية – كوردية وعراقية. بل تعدت ذلك إلى بعد أكبر، مثل حرب داعش والصراع الجغرافي الاقتصادي. لذلك سيكون حل المشكلة معقداً من الناحية السياسية،. فإذا تم إحياء فكرة الإدارة الذاتية لسهل نينوى وشنكال ونجحت، فستكون صفقة رابحة لحكومة إقليم كوردستان وحكومة بغداد. ستكون حقوق الأقليات في نينوى وشنكال محفوظة، وسيكون أمن إقليم كوردستان محمياً وسيكون العراق قادراً على تحقيق حلم التحول إلى ممر!