تحليل

مضمون الاتفاقية الثلاثية الأطراف وأرباح الشركات من برميل نفط إقليم كوردستان

01-10-2025


من المقرر أن تقوم شركة وود ماكينزي بمراجعة تكاليف الإنتاج والاستثمار وأرباح الشركات الدولية البرميل الواحد من نفط إقليم كوردستان، وعلى أساس هذه المراجعة ستقوم بغداد بتسديد المستحقات المالية للشركات للمرحلتين الحالية والمستقبلية.

الآن، وبعد إبرام اتفاقية من 20 بنداً واستئناف تصدير النفط، حددت بغداد مبلغ 16 دولاراً كتكلفة إنتاج ونقل النفط المنتَج، ووفقاً لبيان شركة دي إن أو، يخصص مبلغ 14 دولاراً من هذا المبلغ لتغطية تكاليف الإنتاج ودولاران لنقل النفط. سيستمر العمل بهذه الآلية حتى نهاية العام الجاري، حين تقدم شركة وود ماكينزي تقريرها حول تكلفة برميل النفط.

في الواقع، يتمثل جوهر الاتفاقية ذات العشرين بنداً في تأكيد الأطراف على حقوقها ومستحقاتها. كان هذا تحديداً هو الذي حال دون التوصل إلى اتفاق لثلاثين شهراً، وهو ما يتضح جلياً من بنود الاتفاقية، إذ تشير البنود إلى زيادة المطالب وتنفيذ شروط والتزامات الأطراف حتى يرضى الجميع، وإلا فإن الاتفاقية لا تزال تثير تساؤلات متباينة. لكن الأهم من ذلك كله هو تكلفة إنتاج برميل النفط وزيادة أو تخفيض مبلغ الـ16 دولاراً الذي يمنح للشركات كمستحقات مالية للحاضر والمستقبل.

تتباين تكلفة برميل النفط وأرباح الشركات من إنتاج برميل النفط في إقليم كوردستان وفقاً لعقودها ومستوى الإنتاج والاستثمار وتطوير الحقول، وهذا لا يشبه وضع الشركات العاملة في العراق؛ فعلى سبيل المثال، تضيف الشركات في إقليم كوردستان تكاليف الاستثمار إلى تكاليف الإنتاج، بينما في العراق توفر الدولة رأس المال الاستثماري في هذا القطاع، حيث بلغ إجمالي النفقات خلال عقد واحد 110 تريليون دينار، منها نحو 100 تريليون دينار للإنفاق الاستثماري سنوياً، وفي العام 2024، تجاوزت نفقات الاستثمار لوزارة النفط 12.3 تريليون دينار.

وفقاً للتقرير المالي لشركة غولف كيستون الصادر في (28 آب 2025)، بلغ إجمالي الإنتاج اليومي من النفط خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 44100 برميل، بيعت بمتوسط 27.8 دولاراً، أي أن إجمالي إيرادات النفط المباع بلغ 221.9 مليون دولار، فيما بلغت إيرادات الشركة 83.1 مليون دولار.

كما بلغ إجمالي نفقات التشغيل والاستثمار خلال تلك الفترة، وفقاً للتقرير، 66.4 مليون دولار، وأرباح الشركة 16.7 مليون دولار، أي أن حصة الشركة من التكاليف والأرباح شكلت نسبة 37.44% من سعر بيع برميل النفط، وإذا فصّلنا هذا المبلغ حسب التقرير، فإن نفقات الإنتاج والاستثمار في الحقل شكلت نسبة 29.9%، وأرباح الشركة 7.53%، كما هو موضح في الجدول أدناه.

نقطة مهمة أخرى في تقرير غولف كيستون بشأن التكاليف للأشهر الستة الأولى من العام الجاري هي اختلاف نفقات إنتاج برميل النفط، حيث شكلت تكاليف العمليات التشغيلية والنفقات الأخرى نسبة 72.7%، ونفقات الاستثمار خلال تلك الفترة 27.2%، وإذا تغيرت نفقات الشركات، فستتغير تكاليفها وأرباحها تبعاً لذلك.

تنطبق هذه النسب بالطريقة ذاتها على المرحلة السابقة لتوقف تصدير وبيع النفط من قبل إقليم كوردستان عبر ميناء جيهان. فعلى سبيل المثال، وفقاً لتقارير غولف كيستون، أنتجت الشركة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2022 ما معدله 44202 برميل يومياً، بيعت بسعر 74.1 دولاراً، وبلغ إجمالي الإيرادات 301.3 مليون دولار.

بينما خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2023، بلغ إجمالي الإنتاج اليومي من النفط 46228 برميلاً، بيع بسعر 51.3 دولاراً، وبلغ إجمالي إيرادات النفط في تلك الأشهر الثلاثة 213.4 مليون دولار، وبهذا بلغ إجمالي إيرادات النفط في تلك الأشهر الستة 514.76 مليون دولار، دون أن تدفع حكومة إقليم كوردستان أي مبلغ للشركة، وتشير شركة غولف كيستون إلى أن تكلفة إنتاج النفط خلال تلك الفترة بلغت 150.5 مليون دولار، وأرباح الشركة 42.3 مليون دولار. وبذلك يتضح أن نسبة تكلفة الإنتاج إلى إجمالي الإيرادات بلغت 29.2%، وأرباح الشركة إلى إجمالي الإيرادات 8.2%، كما هو موضح في الجدول أدناه.

جدول رقم 1: الفروقات في بيع نفط إقليم كوردستان بسعر برنت وبالسعر المحلي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2022 والأشهر الثلاثة الأولى من 2023 والأشهر الستة الأولى من 2025 لكمية النفط المنتَج من قبل غولف كيستون

المصدر: تقرير شركة غولف كيستون، 28 آب 2025. تم الحصول عليه في 29 أيلول 2025.

قبل (27 أيلول 2025)، كان بيع نفط إقليم كوردستان يجري على مرحلتين: الأولى البيع من ميناء جيهان، حيث لم يكن السعر قريباً من سعر برنت بل كان هناك فارق يتراوح بين 20 إلى 25 دولاراً، والثانية خلال الثلاثين شهراً الماضية، حيث بيع بالسوق المحلية بأقل من 44 دولاراً عن سعر برنت بالمتوسط، وإذا كان جزء من هذا الانخفاض في السعر بسبب الجودة، فإن الجزء الأكبر منه يعود بالتأكيد إلى الدعاوى القضائية التي رفعتها بغداد، وخوف المشترين من العقوبات والحصار المفروض عليهم من قبل الحكومة العراقية لشرائهم نفط إقليم كوردستان.

الآن، بعد أيام من الاتفاقية ثلاثية الأطراف ذات العشرين بنداً، تبدأ مرحلة جديدة لبيع نفط حقول إقليم كوردستان، ليس لأنه يصدّر ويباع من ميناء جيهان، بل لأن شركة سومو هي من تبيع النفط هذه الأيام، ويتوقع أن تكون عقود الشركة لبيع النفط وفقاً لجودته وبسعر قريب من برنت، وهذا يختلف تماماً عن المرحلتين السابقتين من حيث الإيرادات.

فعلى سبيل المثال، وفقاً لتقرير غولف كيستون، بلغ متوسط سعر برنت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2022 نحو 101.4 دولار، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023 بلغ 81.2 دولاراً، أي بمتوسط 91.3 دولاراً خلال تلك الأشهر الستة، بينما بلغ متوسط سعر النفط المباع من حقل شيخان 62.7 دولاراً. كذلك، من حيث سعر البيع محلياً خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، بلغ متوسط سعر نفط هذا الحقل 27.8 دولاراً، بينما بلغ متوسط سعر نفط برنت خلال تلك الفترة 71.9 دولاراً.

وعند تحليل تكاليف الإنتاج والاستثمار وأرباح الشركات وإيرادات حكومة إقليم كوردستان خلال فترتي الأشهر الستة المذكورتين أعلاه، يتضح أنه لو جرى بيع النفط بسعر برنت، لتضاعفت إيرادات إقليم كوردستان وعمل الشركات، وأيضاً نسبة تكاليف الإنتاج وأرباح الشركات كانت ستستقر إلى حد ما.

لو تم بيع النفط بسعر برنت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2022 وبداية 2023، لبلغ إجمالي الإيرادات 750 مليون دولار، ولارتفعت أرباح الشركة من 42.3 مليون دولار إلى 61.6 مليون دولار، ولبلغت إيرادات حكومة إقليم كوردستان 538 مليون دولار بدلاً من 321 مليون دولار.

وفي الأشهر الستة الأولى من العام الجاري أيضاً، لو تم بيع كمية النفط المنتَج من حقل شيخان، والتي بلغ إجماليها 7.98 مليون برميل، بمتوسط سعر برنت، لبلغت الإيرادات 574 مليون دولار، وبالطريقة ذاتها، بعد خصم 66.4 مليون دولار تكاليف و148 مليون دولار أرباح الشركة، كان سيتبقى لإقليم كوردستان 359 مليون دولار، لكن خلال تلك الفترة لم يتبق لإقليم كوردستان سوى 138.8 مليون دولار.

من المقرر أن تراجع شركة وود ماكينزي تكاليف إنتاج برميل النفط، وفي سياق مفاوضات الأطراف لحل مشاكلهم، سواء مفاوضات الشركات وحكومة إقليم كوردستان بشأن ديونها للأشهر الثلاثة الأخيرة من 2022 والأشهر الثلاثة الأولى من 2023، أو أربيل وبغداد بشأن الرواتب والموازنة، تشير الأرقام إلى أن تكلفة إنتاج برميل النفط تشكل نسبة 18.5%، وتذهب نسبة 8.1% للاستثمار، ونسبة 7.5% لأرباح الشركات المستثمرة من إجمالي إيرادات برميل النفط من حقول إقليم كوردستان.

نقطة أخرى بالغة الأهمية تجب الإشارة إليها وهي أن تكاليف الإنتاج والاستثمار للشركات الدولية المساهمة في إقليم كوردستان، والتي تعمل أيضاً في إنتاج النفط والغاز في مناطق أخرى من العالم، تقوم على أساس الربح وليس الإنفاق، حتى يتسنى إجراء تعديلات على نفقاتها.

في الواقع، ما تكشفه الأرقام الواردة في تقرير الشركات المساهمة بوضوح هو أنه كلما ارتفع إجمالي إيرادات النفط، تزداد أرباح الشركات بنسبة ضئيلة، بينما تزداد إيرادات نفط إقليم كوردستان بشكل أكبر بكثير.

السؤال الآن هو: هل بغداد مستعدة لمنح نسبة 6% إلى 9% من أرباح الشركات عند بيع النفط المنتَج بسعر برنت أم لا؟ لأن تكلفة إنتاج برميل النفط والاستثمار في تلك الحقول لزيادة إنتاج النفط حقيقية، والتغيير في الأرقام أو النسب للنفقات يرتبط بالسياسة المالية والاستثمارية للشركة، وليس بزيادة أو تخفيض الأرقام لأجل إقليم كوردستان أو بغداد.

ما يلفت الانتباه أن تحديد 16 دولاراً من قبل الحكومة العراقية، وتعديل قانون الموازنة من قبل البرلمان في الفترات الماضية، وتثبيته في الاتفاقية ثلاثية الأطراف كإجمالي تكاليف إنتاج ونقل نفط إقليم كوردستان للشركات، لم يأتِ من فراغ، بل جاء على أساس البيع في الداخل، لأنه خلال تلك الثلاثين شهراً التي توقف فيها التصدير، تم بيع النفط المنتج في إقليم كوردستان بمتوسط 30 دولاراً للبرميل.

ختاماً، إذا نظرنا إلى بيانات الشركات، فإنه عند بيع برميل النفط سواء بـ62.7 دولاراً أو بـ27.8 دولاراً، تتضح نسبة أرباح الشركات وإجمالي تكاليف إنتاجها بما في ذلك تكاليف الاستثمار. فعلى سبيل المثال، قبل إغلاق أنبوب نفط جيهان في آذار 2023، عندما كان يجري بيع البرميل بمتوسط 62.57 دولاراً، كانت التكلفة بنوعيها مع الأرباح للشركات 23.43 دولاراً، ولإقليم كوردستان 39.14 دولاراً. لكن لو جرى البيع بسعر برنت البالغ 91.18 دولاراً، لبلغ إجمالي التكاليف والأرباح للشركة للبرميل 25.79 دولاراً، وحصة إقليم كوردستان للبرميل 66.4 دولاراً.

الآن، إذ تبيع شركة التسويق العراقية "سومو" نفط إقليم كوردستان، دعونا نرى كيف سيكون الوضع بالنسبة لإقليم كوردستان والاستثمار في هذا القطاع؟ ما الذي ستحدده شركة وود ماكينزي بشأن نفقات تكاليف الإنتاج والاستثمار وأرباح الشركات، مع الأخذ بعقود الحقول النفطية؟

Share this Post

تحليل