تحليل

مفاتيح القطبية الثنائية

25-10-2019


 

 

RRC |

مامەند رۆژە|

 

في هذه الانتخابات هناك محاولات مخطط لها لجعل العملية السياسية في كوردستان ثنائية القطب. فقد بزرت هذه العملية لدرجة تنبعث منها رائحة خطاب أيام الاقتتال الداخلي. هذا الوضع، ووفق كل الحسابات سيقسم العملية السياسية في إقليم كوردستان على قطبين رئيسين أخضر وأصفر. ماذا يعني هذا؟ يعني أن قلق بعض القوى المعارضة سينقلب إلى واقع: ففي ظل سياسة القطبين سيتم إحياء الناخبين التقليديين للاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني وسيعود قسم منهم، كان قد توزع إلى أصوات ضبابية، إلى مرجعه الأخضر أو الأصفر، وهذا سيضعف المعارضة.

سياسة القطبين ستكون في صالح الاتحاد الوطني الكوردستاني، وسيفيد منها الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ومن المحتمل أن يكون هذا من الخطط الناجحة للشباب أصحاب القرار في الاتحاد الوطني الكوردستاني. فقد أدرك هؤلاء أنهم كلما اقتربوا من الحزب الديمقراطي الكوردستاني، سيواجهون غضب ناخبيهم، وبالنتيجة سيخسرون قسماً كبيراً من ناخبيهم. هذه الأصوات ذهبت في انتخابات 2009 و2013 إلى حركة التغيير. لكنهم كلما دخلوا في خلاف ومواجهة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني حشدوا حولهم أصواتاً كثيرة. ففي انتخابات 30 نيسان 2014 عندما كان هناك تناغم بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحركة التغيير، كان الاتحاد الوطني الكوردستاني يتوجس الخطر فوقف بقوة في وجه الاثنين، وأدى ذلك إلى زيادة في عدد أصوات الاتحاد. هناك بوادر وضع مماثل في هذه الانتخابات أيضاً.

يمكننا استشفاف مفاتيح القطبية الثنائية هذه من خطاب القيادات الشابة للاتحاد الوطني الكوردستاني. ففي فترة الاستفتاء و16 أكتوبر أكدوا على أن ميزان القوة في إقليم كوردستان مال لغير مصلحة الاتحاد الوطني الكوردستاني وتجب إعادة التوازن للقوى الرئيسة. لهذا عندما ندقق في مفاتيح خطابهم نجد: أنهم كانوا قلقين من أن يؤدي الاستفتاء إلى مواجهة حقيقية بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والعراق من جهة، فيخسر الاتحاد الوطني الكوردستاني الكثير من مناطق نفوذه، ومن جهة أخرى، في حال نجاح مشروع الاستفتاء سيسيطر الحزب الديمقراطي الكوردستاني على المفاصل الستراتيجية للمسألة الكوردية. لهذا سعوا بكل الطرق لتأجيل الاستفتاء أو القبول بتحكيم دولي.

في هذه الفترة، يريد القياديون الشباب في الاتحاد الوطني الكوردستاني من خلال إعادة برهم صالح أن يميلوا بكفة الميزان لصالح الاتحاد الوطني الكوردستاني. كما أنهم يريدون بهذه الخطوة أن يكون لهم دور في رسم السياسة كقوة كوردستانية رئيسة على مستوى العراق. لهذا وعندما يتم فك طلاسم خطابهم نعرف أن كل همهم هو تعديل ميزان القوى في كوردستان. فهم يقيسون كل تصنيف لهم على مقياس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهنا يكمن مصدر انزعاج الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهكذا أصبح الآخر بالنسبة للحزب الديمقراطي الكوردستاني هو العراق وبالنسبة للقيادة الشابة للاتحاد الوطني الكوردستاني هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

يريد الحزب الديمقراطي الكوردستاني الفَرِح بانتصاراته في انتخابات 12 أيلول وكونه الأول في كوردستان والحزب الأول على مستوى العراق، أن يجني ثمرة هذا النصر في انتخابات إقليم كوردستان البرلمانية. لهذا أكد على إدارة الانتخابات. من جهة أخرى، فإنه قلق من أن يكون القياديون الشباب في الاتحاد الوطني الكوردستاني ينوون تشكيل جبهة ضد الحزب الديمقراطي الكوردستاني. هذا التخوف قائم لدى الحزبين. فالاتحاد الوطني الكوردستاني يعاني فوبيا الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والحزب الديمقراطي الكوردستاني يعاني فوبيا الاتحاد الوطني الكوردستاني. لذا لا تثق القوتان ببعضهما البعض وكل حركة مضادة من أحدهما تهز الآخر.

حركة التغيير غير مطمئنة إلى نتائج الانتخابات، ومع ذلك تشارك فيها. لكن قلق حركة التغيير هو من التعرض من جديد لتحرشات كبيرة. إنهم يشعرون بأن قوى خارجية تريد تقوية الاتحاد الوطني الكوردستاني على حسابهم. الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي خسر قوته في كوردستان بدون كركوك، يخشى نتائج الانتخابات، وأن يواجه نسخة جديدة من انتخابات 2009 و 2013. لهذا سارع إلى محاولة إعادة برهم صالح إلى صفوفه. أما حركة التغيير ولتعديل ميزان 12 أيار، فيريد من خلال إبداء المرونة تجاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني، أن يضغط على الاتحاد الوطني الكوردستاني، وفي الواقع يخشى الاتحاد الوطني الكوردستاني من فوز التغيير بالمرتبة الثانية في كوردستان مرة ثانية، وهنا يكمن سر عدائه للحزب الديمقراطي الكوردستاني.

أما جبهة نحو الإصلاح، فهي تستقبل الانتخابات كارهة ولكن بهدوء، فهي وخاصة الاتحاد الإسلامي الكوردستاني، تدفع ضريبة المشاركة في حكومة إقليم كوردستان والاستفتاء ودعمهما، وهذا ما أفقدها قسماً من أصواتها. لكن الجماعة الإسلامية لها وضع مختلف، ويمكن أن تحصد بعض الأصوات. فالجماعة كان لها خطاب راديكالي ضد الحكومة، وتريد جني ثمار هذا الخطاب على الصعيد السياسي.

ما يقال إنه سيكون قمة المفاجأة والغرابة هو قوة جديدة. يرى بعض الخبراء أن أصوات حراك الجيل الجديد ستزيد. بينما يرى آخرون أن هذا لن يحصل بل ستتراجع أصواته. على أي حال، فإن حراك الجيل الجديد يطمع في أصوات حركة التغيير. من المحتمل أن يثير الجيل الجديد أموراً غريبة في الحالتين، الإيجابية والسلبية. لكن الأكثر وضوحاً هو أن أصوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني ستزيد وسينعكس هذا على السياق السياسي في كوردستان.

النتيجة:

هذه الانتخابات نقطة تحول في التجربة الديمقراطية والمشاركة السياسية في إقليم كوردستان. هناك مظاهر مفرحة تشير إلى أن هذه الانتخابات ستغير موازين القوى. لكن إشارات أخرى تخبرنا بأن نسبة المشاركة، خاصة في السليمانية وكرميان، ستتراجع والأسوأ هو أن عهد القطبية الثنائية مقبل وأن العوامل الإقليمية تعمل على تشجيع ذلك. هذا يعني أن كل المجالات السياسية في إقليم كوردستان ستدور في دائرة القطبية الثنائية، الأمر الذي سيضيق الخناق على المعارضة. في وقت يحتاج فيه إقليم كوردستان إلى “اتحاد الأضداد”. في حين أن بإمكان قائد كبير أن يفهم اتحاد الأضداد هذا وينظمه. أي: يحتاج إقليم كوردستان في هذه الأيام إلى سلطة قوية وإلى معارضة قوية في نفس الوقت، وصحة العملية السياسية مرهونة بهذا.

Share this Post

تحليل