تحليل

تعاطي القوى الشيعية العراقية مع قرار محكمة التحكيم الدولية بشأن تصدير نفط إقليم كوردستان

04-04-2023


بعد صدور قرار محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس (ICC)، والخاص بإيقاف بيع نفط إقليم كوردستان بصورة مستقلة، لم تحتفل الحكومة العراقية ولا القوى الشيعية بهذا التطور، لكن ذلك لا يعني أنها لم تفرح بهذه الخطوة وأنها ليست مدركة لأهمية حصر تصدير نفط إقليم كوردستان الذي كان من رئاسة نوري المالكي الأولى لمجلس الوزراء العراقي (2005 – 2010) ساحة صراع ساخنة ذات تفسيرات مختلفة في اختبار عملي لتعريف مفهوم الفدرالية العراقية الغريبة التي لا تضم غير إقليم وحيد.

تدعم القوى الشيعية مجتمعة سيطرة شركة تسويق النفط العراقي (سومو) على مبيعات النفط، ويتخذ نوابها في البرلمان بيانات وتصريحات هذه الشركة دليلاً على عدم التزام إقليم كوردستان بقانون الموازنة العامة، أو حول حجم مبيعاته وأسعار وعائدات هذه المبيعات. في الإطار العام لهذا الملف، يطالب الشيعة لاعودة إلى الدستور بدون الدخول في التفاصيل، حيث يفسرونه على أنه يعد ملف النفط ملفاً اتحادياً، ويجب أن تكون وزارة النفط الاتحادية العراقية هي المرجع لهذا الملف، وليس لأي قوة شيعيةموقف يختلف عن هذا، وبضمنهم التيار الصدري، وخاصة بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العراقية في أواسط شباط 2022 والذي وصف قانون النفط والغاز في إقليم كوردستان بغير الدستوري، وعندما يكون قرار المحكمة متناغماً مع مقاصدهم فإنه يتخذ درجة تضاهي القداسة.

والآن، وقد صدر قرار (ICC)، فإن البيت الشيعي في حالة ترقب حذر ومراقبة لمجموعة مستجدات تلقي بظلالها على الجو السياسي العراقي. فقد أظهرت تجربة أزمة الدولار أن شبكات علاقاتهم الخارجية ضعيفة ويتجنبون إقحام أنفسهم بوضوح وقوة في معاداة أي مصلحة لأمريكا والدول الأوروبية، ومنها شركاتها النفطية العاملة في إقليم كوردستان، ولا يريدون في ظل الظروف التي نجمت عن الحرب الأوكرانية أن يتسببوا في ارتفاع سعر النفط من خلال إيقاف تصدير حوالى نصف مليون برميل من النفط، بل أنهم في هذا السياق تخلوا عن إبراز مزاعمهم القائلة إن "إسرائيل تستفيد من نفط إقليم كوردستان".

على الصعيد الداخلي العراقي، هناك تحدٍ كبير يواجه البيت الشيعي مرتبط بانتخابات مجالس المحافظات في نهاية العام 2023، وعلهم أن يراقبوا باستمرار خطط ونشاطات مقتدى الصدر المثيرة لقلقهم، بعد أجتمعوا عليه وأجبروه على الانزواء وتسليم زمام هذه الدورة "الخامسة" للإطار التنسيقي الشيعي، وفي هذا الملف يجدون أنفسهم بحاجة إلى دعم حكومة إقليم كوردستان، على الأقل أربيل، لملء جانب من الفراغ الذي خلّفه الصدر والتنسيق معها من أجل تمرير تشريعاتهم ومشاريعهم. من ناحية أخرى، إذا برز الصدر مرة أخرى، فلن يكونوا وحدهم عندما يواجهونه، خاصة وأنهم لم يقدموا بعد شيئاً للسنة، واحتجاجات وانتقادات الأخيرين متوقعة.

المؤشرات والتأكيدات المعلنة من جانب القوى الشيعية خلال هذه الدورة الخامسة، تُظهر أنهى تسعى للعثور على حلول جذرية لملفات النفط والميزانية، وتقوية العلاقات مع حكومة إقليم كوردستان. لكن لكون قضية النفط تتطلب إجماعاً شيعياً، فإنهم يخشون المخاطرة وتزويد الصدر بمبررات لاتهامهم بمنح إقليم كوردستان فرصاً كبرى وأنهم أضعفوا أسس الدولة العراقية.

ولأن العراق دخل في عام انتخابي، فإن شعبوية الشوارع من جهة والصراعات الداخلية داخل الإطار الشيعي سيكون لها دور وتأثير كبيران في توجيه مواقف القوى والأقطاب المختلفة وحسب تجارب الأعوام الماضية، فإن القوى السياسية الشيعية لن تضحي بالشارع وصورتها في بغداد والجنوب لقاء أي مكسب بعيد المدى وإن كان ستراتيجياً، كحلّ بعض المشاكل المتراكمة مع إقليم كوردستان، وهذه المعادلة لا تزال فاعلة إلى الآن.

قرار المحكمة الاتحادية العراقية العام الماضي، حسب المعلومات، كان من دوافع إصدار قرار (ICC) وقرارها الجديد يتمتع بشرعية دولية، أغنى بغداد وسلطات الحكم الحالية، عن خوض المعارك الإعلامية والصراعات الكبرى كما كان عليه الأمر عندما كان حسين الشهرستاني يعمل على ملف النفط (2006 – 2010) وباستثناء نائب عن العصائب، وآخرين من قبيل مصطفى سند وعالية نصيف، لم ينبر أحد لإبداء رد فعل يعبر عن الفرح بصدور القرار.

هذان القراران المحلي والخارجي، اللذان صدرا في غضون عامين، لن يؤثرا فقط على ملف النفط، ولكن أيضاً على قطاع الغاز في إقليم كوردستان الذي هو فرصة سيقدمها إقليم كوردستان للولايات المتحدة وأوروبا. والأهم من ذلك هو أنهما يؤثران على الأصوات الداعية للفيدرالية في محافظة البصرة وجنوب العراق الذين كانوا يحلمون بفرصة للاستفادة من موارد المحافظة النفطية لخدمة مشروع "إقليم البصرة" بدلاً من تمويل الميزانية الفيدرالية. كما ستمتد تداعيات القرارين إلى كل المحافظات والمناطق العراقية الأخرى، مثل الأنبار ونينوى، التي قد تعتمد على الثروات الطبيعية كالنفط أو الغاز أو أي موارد أخرى لتأسيس شكل من أشكال الحكم المحلي المستغني عن بغداد، وهذا يخدم استراتيجية القوى الشيعية التي تخلت منذ أمد بعيد عن مشروع فيدرالية الوسط والجنوب، وبعد عزل السنة ومحاصرة إقليم كوردستان مالياً، وتحول مشروعها إلى التركيز على تقوية المركز من الجوانب المالية والاقتصادية على الأقل.

Share this Post

تحليل