توقيت زيارة رئيس إقليم كوردستان الى بغداد الايام الماضية كان حساساً للغاية. اثرت النزاعات الجيوسياسية في المنطقة وزودت التوترات في العراق وإقليم كوردستان. هجوم الجماعات المسلحة ومسألة بقاء التحالف الدولي، في هذه الايام هو محور رئيسي في السياسة والإعلام. وتزايدت رغبة بعض الشيعة العراقيين في السيطرة على السياسة الداخلية، خاصة بعد انتخابات مجالس المحافظات في نهاية 2023.
إحتمالية مواجهات مسلحة داخلية في جنوب العراق وبغداد ولوي الذراع بين المالكي والحلبوسي على منصب رئيس مجلس النواب وبالطبع خلف الستارة على المناصب الإدارية في الانبار وبغداد. الازمات المتعددة منها الإقتصادية والسياسية مستمرة في إقليم كوردستان. لذا ترك ابواب الحوار مفتوحة امر مهم في مثل هذه الاوقات المتأزمة لمنع تطور التشنجات والتعقيدات.
كان لقاء رئيس إقليم كوردستان مع كل من قادة الشيعة وثم الينا رومانوفسكي السفيرة الامريكية في العراق امرا مهما، ذلك في حين ان بعض النواب الشيعة يبحثون عن منفذ قانوني وسياسي لإخراج القوات الامريكية من الاراضي العراقية. على مدى العقدين الماضيين، ساعدت الولايات المتحدة الأكراد والشيعة مرتين، في عامي 2003 و2014، عندما كان داعش على بعد 24 كيلومترًا فقط من العراق. صحيحٌ ان مصالح الدول لا تقاس فقط من خلال الاحداث التاريخية، لكن ايضا وجود مظلة امنية امريكية في الحرب ضد الارهاب للحفاظ على التوازن الداخلي والاقليمي امر مهم للكورد والشيعة ولكل العراق. في هذا الخصوص يمكن لإقليم كوردستان ان يكون حلا وسطا بين رغبة الإطار التنسيقي، امريكا والاطراف الاخرى.
قرر مجلس الوزراء بعد زيارة رئيس إقليم كوردستان إرسال جزء من حصة إقليم كوردستان من الميزانية. على الاغلب مشكلة الموازنة ستستمر بين اربيل وبغداد، بالاخص في وقت متأزم كهذا، لكن على الاغلب سيطرح حلا وسطا على الاقل. النقطة الاولى مثل ما قال رئيس إقليم كوردستان، نتيجة الحوارات المشتركة بينه وبين حلفائه في حكومة إقليم كوردستان ومن الممكن ان تكون هناك نتائج لتلك النقاشات لكن النقطة الثانية يمكن ان تكوت متعلقة بتشنجات المالكي مع الحلبوسي ومسألة تحديد رئيس البرلمان والمناصب الادارية للأنبار وبغداد. التشنجات مع السنة والاكراد في آن واحد، ليست من مصلحة المالكي وحلفائه. النقطة الثالثة متعلقة بالوضع العام للمنطقة والضغوطات السياسية-الاقتصادية والامنية على الاكراد. الجماعات التي تسمى "المقاومة الاسلامية" ،ينظرون الى إقليم كوردستان كحليف لأمريكا، لذلك يضغطون على إقليم كوردستان على قدر إستطاعتهم. خلال اكثر من شهر ماضي، إزدادت هجمات امريكا وإسرائيل ضد قادة تلك الجماعات في سوريا ، لبنان وبغداد وفي هذه المدة قتل منهم اكثر من 4 قادة مهمين. ومع تلك الهجمات ايضا بدأت الهجمات على الحوثيين من قبل التحالف ضد الحوثيين في البحر الاحمر وبذلك وقعت "جبهة المقاومة" في مشكلة امنية وعسكرية كبيرة في جهتها الغربية.
وبالتزامن مع تلك الاحداث حدث إنفجار كرمان والتي تبعد عشرات الكيلوميترات عن العراق وافغانستان. وبالرغم من ان داعش كانت قد تبنت العملية رسميا، إلا ان هناك وجهتان نظر مهمتان حول ذلك في ايران: الاولى توجه اصابع الإتهام ضد إسرائيل، والثانية تشير الى تسهيل طالبان لتلك العملية لداعش. في جميع الاحوال هناك إتفاق على وجود رسالة سياسية وراء الحادث، وهو انه من الممكن ان يزعزع امن وإستقرار إيران من الجانب الحدودي الشرقي. فبينما تعاني جبهة المقاومة من مشاكل في الغرب والشرق، وتزايدت مشاكلها مع الولايات المتحدة في العراق، فإنها قد تفضل تخفيف التوتر مع الأكراد في هذه المرحلة. إلا أن هذا الوضع غير مستقر وقد يتغير بسبب تطورات الحرب في المنطقة.
التعقيدات، المشاكل والغموض ليس في العراق فقط بل ذلك جزء من مشهد العالم اجمع الآن. من التايلاند الى البحر الاحمر، من غزة الى اوكرانيا إما هناك حرب ام ضلال حرب. على الاغلب سيستمر ذلك لعدة اعوام اخرى. لذلك في ضل التعقيدات العالمية والإقليمية، ترك ابواب الحوار مفتوحة مع العدو والصديق مهم جداً. بدأ مؤتمر دافوس اليوم تحت عنوان "إستعادة الثقة" وفي تقريره ال19 اشير الى اكثر من 30 نوعا من مخاطر قصيرة المدى للعامين القادمين في العالم ومعضم المواضيع التي تترأس القائمة هي موجودة في العراق. وهي تغطي مجموعة واسعة من القضايا، من تعميق الاستقطاب السياسي والاجتماعي، والتضليل والحرب، إلى تغير المناخ. دافوس منذ 2021 الذي كان عنوانه الرئيسي"الإستراحة الكبيرة"، حامت مواضيعه كل عام حول إستعادة الثقة. في عام 2022 "التعاون وإعادة بناء الثقة" وفي عام 2023 كان العنوان "التعاون في عالم مجزأ". لا شك أن العالم يمر بمرحلة صراع كبيرة، وما يندر توفره هو الثقة والتعاون. فالعراق صورة مصغرة من المشهد العالمي، وفي هذا السياق فإن السعي إلى التعاون واستعادة الثقة ليس بالأمر السهل ولكنه في غاية الأهمية.