RRC |مولود باوە مراد|
في الحوار العراقي الذي جرى تحت عنوان “ملتقى أربيل – النجف” وشارك فيه عدد من الشخصيات الدينية والأكاديمية والإعلامية والثقافية والسياسية وبرلمانيون كورد، كان كل كلام الضيوف القادمين من النجف وحوارهم وتحليلاتهم متأثراً بالتظاهرات الحالية التي تشهدها بغداد والمناطق الشيعية في العراق، لدرجة أن كثيراً من المعممين والأكاديميين كانوا يطرحون رؤاهم وكأنهم ممثلون عن ساحات التظاهر، حتى أن عدداً منهم ردد ولعدة مرات عبارات “عراق ما بعد المظاهرات عراق جديد، هو عراق ما بعد عملية 2003 السياسية الفاشلة، ويجب أن ترحل هذه الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة، يجب أن يعين الكورد ويدعموا المتظاهرين، ونحن لا نمثل الأحزاب السياسية الشيعية، والمرجعية الشيعية خاصة آية الله السيستاني، لا تتدخل في السياسة والشؤون السياسية بل تتعامل مع الشعب والجماهير وتقدم النصح والإرشاد للسلطة وتدافع عن حقوق الشعب، يجب أن تنتهي ظاهرة المحاصصة السياسية والطائفية، وأن يتم بناء العراق الجديد على أساس المواطنة والمساواة بعيداً عن تدخل الأحزاب السياسية الشيعية والطائفية والتاريخية…إلخ”.
ما كنت أتوق لسماعه كان التحليل والنبش في تكوين وتوجه وقوة وموجّه هذه التظاهرات، لأنه لم يحدث في أي مكان من العالم أن تؤدي تظاهرات عفوية جماهيرية إلى هذا التأثير والتوسع اللذين يجعلان هؤلاء متيقنين من أن التظاهرات هي النقطة الفاصلة بين عصرين في التاريخ السياسي للعراق، وكيف لتظاهرات من هذا النوع أن تتوصل إلى خيارات عقلانية وبناءة وإيجابية بخصوص قضية بهذا الحجم وبهذه الحساسية ترتبط بالنظام السياسي للحكم في العراق وبكل تلك المكونات المختلفة؟
ما الذي أدى إلى هذا التغيير السريع في مطالب المتظاهرين من مطالبة بخدمات الماء والكهرباء والطرق وفرص العمل ومناهضة الفساد إلى مجموعة مطالب سياسية يقال إنها غير قابلة للمساومة ولا للتفاوض بشأنها (كتغيير الدستور الدائم، إلغاء كل المؤسسات والأجهزة العليا في الحكومة والبرلمان والمفوضية، معاداة كل الأحزاب وإلغائها، نبذ مصطلح المكونات العراقية… إلخ).
هل من المعقول أن نقنع أنفسنا بأنهم يقرون بأن المتظاهرين شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة وليسوا مطلعين على الماضي السياسية والعملية السياسية في العراق، ولا نتساءل من أين جاء هذا الفهم والثقافة والوعي السياسي وكيف أصبح الروح المحركة والخطاب الشامل لكل المتظاهرين.
هذا ليس فضولاً سياسياً للبحث عن القوى والأطراف والفئات الموجهة للتظاهرات، بل هو بحث عن البديل السياسي الذي سيحل محل مجمل السلطة والنظام السياسي الحالي في العراق والذي يرفضه المتظاهرون.
كان بعض المداخلات يشير بصراحة إلى أن الكورد شركاء في هذه السلطة منذ التغيير الذي حصل في 2003، وكأنهم بهذا يلمحون إلى اشتراك الكورد في الجرائم والفساد السياسي وعليهم أن يعيدوا تنظيم علاقاتهم من خلال قبول ودعم المتظاهرين، هنا يبرز السؤال الذي طرحناه مسبقاً وبوضوح أشد: تنظيم العلاقات مع من وأي بديل سياسي للسلطة وللنظام السياسي الحالي للعراق، وما هو الضمان لأن لا تكون مكاسب الشعب الكوردي في مهب خطر هذه المطالب السياسية الشمولية.
ولو أخذنا بروحية ورؤية هذه النخبة الدينية والأكاديمية في رؤيتنا لأوضاع العراق وبأن التغيير حتمي، فإنه ليس بهذه السهولة ولا متاحاً بهذه السلاسة… الحديث عن أسباب عدم الاستقرار في العراق ذو شجون، لكن كل الأطراف كانت تركز النظر على النتائج وتهمل الأسباب. أخيراً، بقي أن أقول إنه كان ملتقى نافعاً لفهم الصورة الحالية للملل والاستياء من الأحزاب والجماعات السياسية.