تحليل

من الذي سيسيطر على نفط سوريا؟

25-11-2019


 

 

RRC |

عمر أحمد|

 

يبدو أن الحرب الأهلية في سوريا ماضية نحو الحسم وسيستعيد بشار الأسد السيطرة على كل الأراضي السورية. الوضع الحالي في سوريا أشبه بظروف ما بعد الحرب والدول الإقليمية والقوى العظمى تعمل على جني غنائم الحرب.

بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من سوريا، شنت تركيا في 9 تشرين الأول هجوماً على غرب كوردستان واحتلت المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين، وهي منطقة طولها 120 كيلومتراً وعمقها 32 كيلومتراً. ثم، وكنتيجة لاتفاق بين تركيا وأمريكا ولقاء بين إردوغان وفلاديمير بوتن، اتفق الجانبان على المسألة السورية، وأدى الاتفاق الروسي – التركي إلى إيقاف الهجمة التركية وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية إلى عمق 32 كيلومتراً.

بعد عشرين يوماً من بدء الهجوم التركي، أصبحت كل واحدة من الدول التي لديها قوات في سوريا تدعي أنها تسيطر على النفط السوري. فقال وزير الدفاع الأمريكي، مايك إسبر، إنهم يبقون على 400 من جنودهم بدباباتهم ومدرعاتهم في سوريا لحماية حقول النفط.

وبعد أن أعلنت أمريكا عن موقفها من النفط السوري، نفت روسيا قدرة أمريكا على حماية النفط السوري وحقها في ذلك، ووصف وزير الدفاع الروسي عودة القوات الأمريكية إلى المناطق النفطية السورية بـ”السرقة والقرصنة”.

قطاع النفط والغاز السوري

كانت سوريا قبل الحرب الأهلية توفر حاجتها من المنتجات النفطية من نفطها ومصافيها وتصدر الفائض عن الحاجة من النفط الخام. في أواخر العام 2012 فقدت الحكومة السورية السيطرة على أغلب النفط السوري، وأصبحت فصائل المعارضة السورية وداعش تسيطر على حقول النفط، ومع ذلك كانت المنتجات النفطية متوفرة في سوريا حتى نهاية 2018، حيث كانت إيران تزود سوريا بحاجتها من النفط الخام وتزودها بمليوني برميل من النفط شهرياً فأنقذتها من الوقوع في أزمة وقود.

الاحتياطي السوري من النفط والغاز

سوريا دولة نفطية صغيرة مقارنة بالدول النفطية في المنطقة، وكان النفط والغاز يشكلان 35% من إجمالي الصادرات السورية و20% من الدخل الحكومي في 2010، وتشير مجلة النفط والغاز إلى أن حجم الاحتياطي النفطي السوري حتى العام 2015 كان 2.5 مليار برميل وأغلبه في شرق وشمال شرق البلاد، وكان احتياطيه من الغاز الطبيعي 241 مليار متر مكعب ويتمركز في وسط البلاد.

حجم الإنتاج النفطي

كانت سوريا تنتج 350 ألف برميل نفط يومياً قبل اندلاع الحرب الأهلية، وتراجع إلى 24 ألف برميل بحلول العام 2019 وهي الكمية التي تعادل 20-25% من حاجة البلد إلى النفط الخام.

أدت العقوبات الأمريكية والأوروبية على سوريا إلى رحيل العديد من الشركات الأجنبية منذ 2011 فلحق ضرر كبير بقطاع النفط والغاز، وكانت سوريا في 2010 تصدر 110 ألف برميل من النفط يومياً إلى إيطاليا، ألمانيا، فرنسا، النمسا وتركيا.

موقع قوات سوريا الديمقراطية

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حالياً على أغلب الثروة النفطية والغازية السورية، فرغم الاجتياح التركي وانتشار القوات السورية والروسية على الحدود بين سوريا وتركيا، مازالت قوات سوريا الديمقراطية مسيطرة على 95% من الثروة النفطية والغازية السورية، بما فيها (حقل عمر) أكبر حقول النفط السورية، كانت هذه الحقول قبل الحرب الأهلية تنتج يومياً 378 ألف برميل نفط وسنوياً 7.8 مليار متر مكعب من الغاز، وتسيطر أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية على كل الاحتياطي النفطي السوري.

استمرار سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على حقول النفط أمر هام بالنسبة للمستقبل السياسي للكورد في سوريا، على الأقل لحين قبول الحكومة السورية بنوع من الحكم أو الإدارة الذاتية للكورد.

وعند بدء أزمة الوقود في سوريا، كان لقوات سوريا الديمقراطية اتفاق مع الحكومة السورية لتزويد المصافي السورية بالنفط الخام بصورة غير مباشرة.

موقع أمريكا

رغم انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية، أعلن الرئيس الأمريكي أنهم لن يتخلوا عن نفط سوريا فأعاد جزءاً من قوات بلاده إلى سوريا لحماية آبار النفط، ويبدو من بعض تغييرات الرئيس الأمريكي أنه ينوي نقل الكورد إلى المناطق النفطية والاستحواذ على جزء من عائدات الحقول لتوفير نفقات الجنود الأمريكيين في سوريا وإعطاء الباقي للكورد. لا يبدو أن هناك أي ستراتيجية أو تاكتيك أو منطق في عودة القوات الأمريكية، وهذا واضح من تغريدة لترمب قال فيها: “سنرسل قواتنا لحماية الحقول النفطية ثم سننظر ماذا نفعل بذلك النفط”.

الاتفاق الروسي – السوري على النفط والغاز

في مطلع 2019 وقعت روسيا والحكومة السورية اتفاقاً واسع النطاق في مجال الطاقة، يمنح روسيا السلطة الكاملة لتطوير وإنتاج النفط والغاز السوريين، ويشمل الاتفاق كل جوانب قطاع النفط والغاز السوري من تحديث للمنصات النفطية والبنية التحتية الطاقوية وحتى تقديم المشورة وتدريب القوة العاملة السورية.

تسيطر روسيا حالياً على حقول الغاز القريبة من (بالميرا) لكنها لا تسيطر على الحقول التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وفي حال عودة الحكومة السورية إلى حقول شرق الفرات، فإن روسيا ستتمكن مستقبلاً من تنفيذ اتفاقها مع الحكومة السورية لتطوير الثروة النفطية والغازية السورية.

موقع إقليم كوردستان

بعد هجوم داعش على العراق في 2014 واحتلاله مساحات واسعة من الأراضي العراقية، انسحب كثير من الشركات النفطية المجازة من حكومة إقليم كوردستان من القطاعات النفطية. لكن بحلول أواخر 2017، أصبحت شركة روسنفت التي تعد تابعة للحكومة الروسية اللاعب الرئيس في قطاع النفط والغاز بإقليم كوردستان، وهي مستمرة مع شركة غازبروم في أعمالهما، بل وسعا من استثماراتهما في إقليم كوردستان، خاصة روسنفت التي لها الجزء الأكبر من أسهم أنبوب نفط كوردستان – جيهان ومن المقرر أن تمد أنبوب غاز إقليم كوردستان الطبيعي، إلى جانب العمل في القطاعات النفطية بإقليم كوردستان ومنها ثلاثة قريبة من الحدود السورية.

سطوة روسيا على قطاع النفط والغاز في سوريا أيضاً، سيضمن لهذه الدولة منطقة واسعة غنية بالنفط والغاز تمتد من العراق حتى سوريا، ويفتح في وجهها ممراً يصلها بشواطئ البحر الأبيض المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي. هذا الممر الهام قد يصبح طريقاً بديلاً لنقل ثروات العراق وإقليم كوردستان إلى الأسواق العالمية.

الوجود الروسي على الجانب السوري من حدود إقليم كوردستان، يجعل من إقليم كوردستان قسماً رئيساً من الستراتيجية الروسية للسيطرة على هذا الممر الهام إلى البحر الأبيض المتوسط، ما سيزيد ويعزز استثمارات الشركات الروسية في قطاع نفط وغاز إقليم كوردستان.

كما أن بقاء السيطرة على الحدود بين إقليم كوردستان وغرب كوردستان بالصورة التي أعلن عنها القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم كوباني، إذا وافقت روسيا على ذلك، سيفتح الباب في وجه تعاون مستقبلي واسع بين إقليم كوردستان وغرب كوردستان في قطاع الطاقة، ويستطيع إقليم كوردستان أن يساعد في نقل وتسويق نفط سوريا على المدى القريب.

تعد تركيا حالياً المنفذ الوحيد لإيصال نفط وغاز إقليم كوردستان إلى الأسواق العالمية، لكن عند عودة الاستقرار إلى سوريا وانتهاء الحرب الأهلية وبدء مرحلة إعادة الإعمار، سيتمكن إقليم كوردستان بفضل النفوذ الروسي في قطاعي النفط والغاز في كل من إقليم كوردستان وسوريا، من أن يصبح شريكاً يعتد به لروسيا ويوسع علاقاته الطاقوية مع روسيا بصورة تصبح معها الأرض السورية بديلاً عن تركيا لنقل نفط وغاز إقليم كوردستان إلى الأسواق العالمية.

لا شك أن موقع سوريا الجغرافي الذي يمكنها من التحول إلى مركز كبير لنقل النفط والغاز من دول الشرق الأوسط إلى الأسواق الأوروبية، موقع ستراتيجي وهام.

مصادر الغاز الطبيعي في إقليم كوردستان أكبر من تلك التي لدى قبرص واليونان، وقرب مصادر غاز إقليم كوردستان وربطها بتلك المصادر سيجعل هذا الممر الجديد لنقل الغاز الطبيعي يتمتع بنفس أهمية الممرات الأخرى لنقل الغاز إلى أوروبا. كما أن توفر المزيد من الخيارات أمام تسويق الغاز، سيعزز موقع حكومة إقليم كوردستان في مفاوضاته مع دول الجوار عندما يقرر تصدير غازه الطبيعي. أما روسيا، فبفضل حصتها الكبيرة في غاز إقليم كوردستان وتلك التي ستكون لها في سوريا، تستطيع المشاركة في إنشاء الممرات الجديدة لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا والحفاظ على تفوقها في سوق الغاز الأوروبي.

 

Share this Post

تحليل