تحليل

"منظور الشباب في إقليم كوردستان – 2023"

01-08-2023


الافتراض السائد هو أن صغار اليوم يمكن أن يكونوا "جهاز قياس الزلازل" للتنبؤ بمستقبل المجتمع. نتيجة لـِمراقبة سلوكيات وأفعال الشباب يمكننا الحصول على رؤى قيمة تقدم لمحات من المسار المستقبلي للمجتمع. في إقليم كوردستان، 28٪ من السكان، أو مليون و 727 ألف و 903 نسمة، تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 سنة. إضافةً إلى ذلك، 35٪ من سكان الإقليم، أي 2 ملايين و 159 ألف و 879 نسمة، هم دون سن الخامسة عشرة, تشير هذه الأرقام إلى أن ديناميكيات الشباب في المنطقة سيكون لها تأثير كبير على مدار العقدين المقبلين وما بعده. من وجهة نظر اقتصادية، هذا يعني قوة عاملة جديدة، شريطة أن تكون السياسات الاجتماعية والاقتصادية مصممة للسماح لهم بالنمو حتى لو حدث العكس، فإن الزيادة في عدد الشباب، التي تتطلب بطبيعة الحال توزيع الثروة والوظائف والمشاركة السياسية، يمكن أن تغير الوضع السياسي والاجتماعي بِرُمَّته. هذا هو سبب أهمية فهم منظور الشباب ورؤيتهم لمختلف جوانب الحياة. يعطينا مسح أجراه مركز  أبحاث رووداو، بعنوان "منظور الشباب في إقليم كوردستان – 2023"، الذي أجري في يونيو من هذا العام، أدلة مهمة حول رؤى و وتطلعات الشباب في إقليم كردستان.

التحول الشبابي وثقافة الشباب

بناءً على نتائج الاستطلاع، فإن الشباب أكثر تعلقًا بأسرهم ماليًا واجتماعيًا حتى من الناحية الأمنية. 90.1٪ من الشباب لا يريدون ترك أسرهم. يحصل 52٪ منهم على أموال من الأسرة ويعتمدون اقتصاديًا على الأسرة. قال 66% إنهم سيتوجهون إلى القبائل والأقارب إذا واجهوا مشكلة ما، بينما قال 33% فقط إنهم سيتجهون إلى المؤسسات الحكومية الرسمية.

بادئ ذي بدء، يظهر أن الأسرة عامل مؤثر في تشكيل مواقف الشباب. لكن المشكلة هنا هي أن نسبة كبيرة من الآباء الصغار غير متعلمين تعليماً عالياً. وبحسب المسح فإن 67.3٪ من أمهات المستجوبين أميات. 45.8٪ من آباء المشاركين أميون، 39.8٪ حاصلين على أقل من الثانوية العامة و 4.7٪ فقط لديهم شهادة الثانوية العامة. لذلك، فإن المنظور الذي يجب أن يتخذه الشباب منه هو المنظور الذي تطور بشكل تقليدي. هنا، لا تكفي مفاهيم مثل "الثقافة الجزئية" أو "المقاومة" للقيم والأعراف الموجودة في المجتمع والنظام لتفسير سلوك الشباب وحده. بالأحرى، هناك عوامل أخرى، مثل تأثير المجتمع ومؤسساته، تُظهر لنا طريقة أسهل، مع احتلال الأسرة المرتبة الأولى.

مشهد الشباب في كردستان يشبه مشهد العراق عمومًا. وفقًا لمسح FES  نُشر في ديسمبر 2022، يثق 86% من الشباب العراقي بعائلاتهم، لكن الثقة المشتركة في الحكومة والجيش والشرطة كانت 28%. يبدو أن حالة عدم اليقين الذي أعقبت كل من حربي 2003 وداعش، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، من الأسباب المهمة التي تجعل الشباب ينظرون إلى الأسرة باعتبارها الوحدة الأكثر ثقة في المجتمع. في استطلاع مركز رووداو للأبحاث، كانت نسبة الشباب الذين قالوا إنهم يؤمنون بالحريات الفردية عالية جدًا، حيث بلغت 83.9%، لكن 85.5 % قالوا إن الفتيات أو النساء لا ينبغي أن يسافرن بمفردهن، وفقًا للترتيب الذي أرجع ذلك إلى الدين والمجتمع والثقافة وكلام الناس، ونسبة قليلة عارضوا ذلك بحجة انعدام الأمن ومرافق النقل العام. لذلك، هناك خاصيتان مختلفتان، من ناحية، يؤمن بالحرية الفردية، ربما تحت تأثير عولمة القيم النيوليبرالية، لكنها من ناحية أخرى يرفض بعضها تحت تأثير التقاليد المجتمعية. ونتيجة لذلك، فإن الملاحظة "لم يعد بإمكانك التنبؤ بسلوك الشباب بشكل مباشر, يمكن أن تكون التحولات معقدة وغير متوقعة" تنطبق أيضًا على إقليم كوردستان

الفجوة بين الجنسين في القوى العاملة والاقتصاد

وبحسب نتائج الاستطلاع فإن معظم شباب إقليم كوردستان يتجهون للبحث عن فرص العمل في قطاع الخاص, لكنهم ينتظرون إلى قطاع الخاص كمشكلة كبيرة كون قطاع الخاص لم يستطع القطاع الخاص أن يكون مكان الأمثل للعمل. ذلك بسبب المخاوف بشأن المستقبل، وعدم المساواة في فرص القطاع الخاص، والأجور المنخفضة فيه, مما يجعل من الكثيرين يؤمنون بالعمل في القطاع العام, هنا يمكن أن تعمل الحكومة على خلق بيئة مناسبة للعمل في القطاع الخاص و تعطي الشعور بالأمان للشباب لكي يتخلوا عن مخاوفهم.

عند سؤالهم عن سبب صعوبة حصول على العمل للشباب، أجاب 39.9٪ أن ذلك بسبب ظروف العمل الصعبة، 30.5٪ أجابوا أن السبب هو نقص إتقان اللغة الأجنبية، 23٪ أجابوا أن ذلك بسبب نقص الخبرة، قال 13٪ أن السبب في ذلك هو نقص المهارات الحالية المطلوبة لوظائف محددة، وقال 11.9٪ إن الوظائف المتاحة غير مناسبة لهم، وقال 13٪ إنهم ليس لديهم فكرة عن كيفية البحث عن عمل. تظهر هذه النتائج أن القضية الأكثر أهمية هي تحديد كيفية تحسين قدرات ومواهب جيل الشباب، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي سريع النمو، الذي لديه القدرة على التأثير بشكل كبير على سوق العمل.

ماذا يفعل الشباب في أفليم كوردستان في أوقات فراغهم؟ وبحسب نتائج الاستطلاع، فإن أنشطتهم الأسبوعية مثل الذهاب إلى السوق والنوم وزيارة المساجد والأماكن الدينية لا تسهم في إعدادهم الاقتصادي لسوق العمل. فضلًا على ذلك، يستخدم 79.9٪ من الشباب وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات فراغهم.

الشاغل الرئيسي الآخر هو الفجوة بين الجنسين في سوق العمل. وبحسب الاستطلاع، فإن 43.9٪ فقط من الشباب يعملون، مع 61.5٪ من الرجال و 16.1٪ فقط من النساء. وهذا يوضح أن النساء والفتيات ممثلات تمثيلا ناقصا في القِوَى العاملة، حيث يتزايد انخراطهن في العمل غير المأجور، مما يعقد استراتيجيات التنمية.

الشباب والسياسة

كانت هناك زيادة طفيفة في اهتمام الشباب بالمشاركة السياسية, يشير الاستطلاع إلى أن أكثر من 72٪ من الأفراد المؤهلين المشاركة في الانتخابات أعربوا عن رغبتهم في التصويت في حالة منحهم الفرصة. هذا الرَّقَم أعلى من إجمالي نسبة المشاركة البالغة 59٪ في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في كردستان وحوالي 30٪ أعلى مما كانت عليه في الانتخابات البرلمانية العراقية في عام 2021. مما يعزز فكرة أنت يكون للشباب دور حاسم في الانتخابات المقبلة.

ونتيجة لذلك، فإن الملاحظة "لم يعد بإمكانك التنبؤ بسلوك الشباب بشكل مباشر؛ يمكن أن تكون التحولات معقدة وغير متوقعة" تنطبق أيضًا على إقليم كوردستان. وبحسب الاستطلاع، فمن بين مليون و 727 ألف و 903 شاب، هناك 466.533 ألف لا يريدون التصويت، أي حوالي 27٪. بالمقابل قال مليون و 244.90 ألف شخص إنهم سيصوتون إذا كان لهم الحق، أي حوالي 72%. وكذلك 33٪ من 72٪ ممن أحبوا التصويت لم يرغبوا في إعلان جهة التي سيصوتون لها أي حوالي 410،549 ألف شخص. وأشار أولئك الذين قالوا إنهم لن يصوتوا إلى أسباب مثل عدم الثقة في الأحزاب السياسية، والافتقار إلى انتخابات حرة، وعدم وجود مرشحين مناسبين. بالطبع، من المرجح أن يتغير هذا حتى اللحظات الأخيرة من الانتخابات. لذلك، فإن نسبة الذين يقولون إنهم لن يصوتوا والذين لا يفصحون عن أصواتهم، يمكن أن تكون معًا عاملاً مفاجئًا في الانتخابات المقبلة.

الخلاصة

قد نستنتج من نتائج استطلاع "منظور الشباب 2023"، الذي استجوب 1122 شخصًا بشكل مباشر في إقليم كوردستان، أن الشباب يواجهون عدم استقرار اقتصادي كبير ويعتمدون على عائلاتهم بسبب التزامهم الهائل تجاه الأسرة والشبكات الاجتماعية الضيقة، فإنهم كثيرًا ما يتبنون وجهات نظر محافظة حول القضايا الاجتماعية. ماهو مطلوب في هذه الحالة نرى بأن حاجة ضرورية ألى استراتيجيات اجتماعية واقتصادية شاملة لتغيير الأنشطة الأسبوعية التي ينخرط فيها الشباب مع عائلاتهم وأصدقائهم لتشجيعهم على التركيز على صحتهم وآفاقهم الاقتصادية ونموهم الشخصي بدلاً من تقييدهم بأنشطة يومية محددة.

Share this Post

تحليل