في نهاية المطاف نفذ الصدر تهديه الغير متوقع نوعا ما وأنسحب من البرلمان بعد ثمان شهور من الصراع والأنسداد السياسي وأخرج نفسه من مسؤولية الأزمة السياسية والحكومية. بعض أسباب أنسحاب الصدر شخصية وبعضها الأخر مرتبط برؤيته في مواجهته منافسيه من الشيعة. لكن هذا الأنسحاب خلق خللً كبيراً في العملية السياسية ومنذ مساء 12 حزيران 2022 أصبح مصير العراق مجهولاً.
بعد أنسحاب القائمة صاحبة ال73 مقعد, الفائزة بالانتخابات والتي تمثل ما يقارب 885 الف شيعي العقائدي, من المقرر أن يستبدل المستقليون بنواب من كتل كانت تدعى “خاسرة” وهذا ماسيخلق أخلال بشرعية البرلمان القادم. بالأخص على المستوى الشيعي و “الشيعة السياسية” بإمكانية فقدانهم الأغلبية داخل قبة البرلمان. وهذا ما لم يحدث في البرلمان مابعد عام 2005 قط.
بأنسحابه, حرر الصدر حليفيه من الديمقراطي الكوردستاني والسيادة للمضي في المرحلة القادمة. لكن يمتلك الحزبين الأن قرابة ال98 مقعد في البرلمان بينما تمتلك قوى الأطار التنسيقي قرابة ال120 مقعد وبتحالف الأطار مع عزم السني والأتحاد الوطني الكوردستاني يرتفع هذا العدد الى 178 نائب. وهنالك أيضا قرابة ال50 نائب من المستقلين أو المعارضين وممثلي المكونات مما يعني أن الكفة غير متوازنة. ليس فقط من حيث الكمية وأنما من حيث النوعية أيضا. لأن التحالف الثلاثي يرى نفسه ممثلا ل “عراق معتدل ومنفتح على محيطه” مقابل “الجماعات المسلحة” المتمثلة ب “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران. والسؤال الرئيسي إن تمكنت هذه “الجماعات” تشكيل الحكومة وأن تمكن المالكي في غياب الصدر وسكوت المرجعية المتمثلة بالسيستاني من أسترجاع دوره السياسي او تشكيل الحكومة القادمة, كيف سيكون مستقبل العلاقة السياسية والدبلوماسية والأقتصادية بين العراق والبلدان العربية والخليج وأوربا وأمريكا؟
من الممكن أن يكون للصدر أسباب شخصية وعاطفية وأخلاقية أو سياسية للأنسحاب. لكن بهذا الأنسحاب يهدف الصدر أن يكون أقوى من قبل ولا تعد هذه الخطوة للصدر بتنازل أو القبول بالفشل أمام جهات “الأطار التنسيقي”. بينما يقول كل من السيادة والديمقراطي بأنهم “يحترمون قرار الصدر” ملمحين بعدم إنسحابهم بعد أنسحاب الصدر. لكن كلا منهم امام معادلة جديدة. ألان أصبح منصب الحلبوسي في خطر لأن رئيس البرلمان يتم أختياره عن طريق الأغلبية الجديدة في البرلمان. إما الديمقراطي فمن الصعب أن تستطيع”الجماعات” أرضائه بسهولة بعد ثمانية أشهر من أتهامات بالتواصل مع اسرائيل وهجمات المسيرات والقصف. غير هذا قرار المحكمة الأتحادية الخاص بنفط إقليم كوردستان يجعل طريق التوصل لإتفاق أبعد. هذه المخرجات تشير بأن ملأ مكان الصدر وخلق بيئة سياسية جديدة سيحتاج وقتاً, على عكس ماقاله الحلبوسي بمؤتمر صحفي في عمان والتي كانت محاولة للتخفيف عن شدة الوضع.
في المدى المتوسط أدوات رجوع الصدر واضحة وهية تشكيل معارضة شعبية والعودة الى الميادين والمظاهرات. خصوصا بمضينا الى شهر تموز هنالك أحتمال كبير أن يمد الصدر ذراعه لأي حركة غير راضية أو بقايا التشرينين المتفرقين الذين لهم ممثلين الان منشغلين في البرلمان بحرب السلطة وتبادل الأتهامات.على هذا الأساس ليس من البعيد أن ينتظر العراق صيف حاراً وطويلاً, خصوصا للشيعة الذين بصورة تقليدية يطمحون الى تشكيل حكومة “توافق”.
الكثير من الحلول المتاحة في الأفق لحسم انسحاب الصدر تلوح إلى إعادة الانتخابات، لكن هذا الخيار ليس بالسهل، بسبب إمكانية تكرار النتيجة نفسها أو زيادة أعداد المقاطعين للعملية الأنتخابية. وهذا يفتح الباب أمام التوترات المسلحة والاحتجاجات الجماهيرية مماثلة لمظاهرات تشرين التي من شأنها أن تضع الشرعية الجمهورية المشكلة ما بعد عام 2003 تحت التهديد، ومن ثم ستزداد إمكانية التغيير والحل المفاجئ والعاجل.