تحليل

مرحلة ما بعد نصر الله وتوازن القوى بين إسرائيل وجبهة المقاومة

30-09-2024


اثناء جلوسي في بكين مع مسؤول في الحزب الشيوعي الصيني حيث كان يتحدث عن تقدم ونمو دولته وينتقد تجربة الإتحاد السوفيیتي ودول الغرب. كان مختصر حديثه  انهم لا ينتمون للسوفيت وليسوا ايضًا غربيين، هم مختلفون ونموذج تقدمهم مبني على اسس السلام والتعاون لا الحروب والقمع! كانت تراودني اسألة كثيرة حول حديثه لكني كنت افكر بتشابه كلامه مع الشعار الإيراني "لا شرقي ولا غربي" وفجأة لفتني خبر مقتل حسن نصر الله من على شاشة هاتفي. لم يكن هذا الخبر شيء يمكنني ان اتجاهله حتى وان كنت على بعد اكثر من 7000 كيلومتراً من بيروت.

اعتقد كان عام 2020 حيث طلب نصر الله ان يطور علاقاته مع الصين. في الواقع منذ زمن بعيد بكين ايضا تريد ان تقوي علاقتها مع الأطراف الشيعية ذات السلطة في إيران ولبنان والعراق. بالتأكيد ان هذا الخبر ذو اهمية كبيرة لوزارة الخارجية الصينية ايضا، والتي من الواضح ان هوس تقدمهم في الشرق الأوسط يسيطر عليهم بالكامل. في الماضي ايضا تم إغتيال إسماعيل هنية في طهران بعد محاولاتهم لتوحيد 14 طرفا من الاطراف الفلسطينية. ويمكن لحادث نصر الله ان يكون قد اظهر  ذلك مجدداً بأن ميدان الشرق الأوسط فيه الكثير من التصاعدات والتنازلات.

 وإذا أضع هنا نقطة حول المنظور الصيني واتركها لوقت لاحق، فيمكنني القول بأن مقتل نصر الله يشكل نقطة تحول في الهندسة الأمنية للمنطقة، وهو ما يمكن تفسيره على النحو التالي:

بعد مرور ما يقرب من عام على مفاجأة حماس لإسرائيل والعالم في 7 تشرين الأول، واكتساب جبهة المقاومة الإيرانية الهيمنة النفسية بهجماتها بطائرات بدون طيار وصواريخها في النصف الأول من هذا العام، فاجأت إسرائيل جبهة المقاومة بقتل حسن نصر الله. بالإضافة إلى إظهار قدراتها الاستخباراتية، أظهرت أيضًا القدرة على استخدام عشرات الأطنان من قنابل ساحة المعركة مع طائرات F-15 والتي يمكنها تدمير الأسمنت وحواجز ساحة المعركة والأنفاق الصلبة.

كان نصر الله احد اكثر قادة المقاومة حماية ايضًا يمكن ان يكون ذلك سبب غيابه عن مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان في طهران، ومؤخرا لم يحضر إجتماعًا مع وزير الخارجية الإيرانية والذي من الممكن ان يكون لنفس السبب.

لم يكن حسن نصر الله حتى يحمل اجهزة البيجر التي تم تفجيرها مؤخرا بأيدي اعضاء حزب الله ومن المستبعد ان يكون قد حمل معه هاتفا وخصيصًا بعد تلك الحادثة، لذلك فإن اصابته تتطلب عملية استخباراتية معقدة كان لدى الجواسيس دوراً مهمًا في ذلك.

من الناحية السياسية، حتى يوآف غالانت وزير الدفاع الاسرائيلي ايد نتانياهو في موقفه حول هذه الحرب مع حزب الله ذلك على الرغم من انهم كانوا لا يتوافقون في الرأي احيانًا في المفاوضات مع حماس. يبدو انه واثق من ان بايدن سيأيده مهما فعل لذلك يريد بأن يستغل الإنتخابات الأمريكية لصالحه لكي يكسر حلقة المقاومة من حوله.  ولم يتبع نتنياهو نصيحة الولايات المتحدة في مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس حتى وصل الأمر لتدميره كقوة حكومية على الرغم من كل الإحتجاجات العالمية. على الرغم من صعوبة القضاء الكامل على حماس إلا انه استطاع الى حد كبير الحد من قدراته العسكرية وإمكانية حكمه في غزة اصبحت ضئيلة للغاية.

وبصرف النظر عن حماس، فإن حزب الله، وهو أكبر قوة غير حكومية تمتلك أثقل الأسلحة وما يقدر بآلاف من الطائرات بدون طيار القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى والصواريخ، يشكل دائمًا تهديدًا لا يمكن تجاهله. لذا، بعد حرب عام 2006، عندما فشلت إسرائيل في هزيمة حزب الله، بحثت دائمًا عن فرص مثل اليوم.

منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، شن حزب الله أكثر من 1200 هجومًا على إسرائيل، مما أدى إلى نزوح ما يقرب من 70 ألف شخص من المناطق الحدودية الإسرائيلية. وقال جيش هذا البلد في بيان مقتل نصر الله "نريد ان نستعيد نازحينا". لذلك، إذا كان هذا هو هدفهم، إذا لم يتفاوضوا لإقناع حزب الله بسحب قواته شمال نهر الليطاني، فقد يصل الأمر إلى حد الغزو البري. ومن جنوب نهر الليطاني، يمكن لحزب الله أن يشكل مشكلة أمنية كبيرة لإسرائيل من خلال صواريخ وطويلة المدى  وصواريخ قصيرة المدى وصواريخ الكاتيوشا، التي يمكنه إطلاقها من آلاف الشاحنات الصغيرة.

السؤال الأهم: ما الذي ستفعله إيران والجماعات المسلحة؟

على المدى القصير، من المرجح أن يجد حزب الله صعوبة في الرد على إسرائيل بشكل قوي بسبب الفصل بين قيادته الاستراتيجية وقيادته التكتيكية. بالطبع، لا يزال بإمكانه شن الهجمات ، ولكن بدون القيادة وخط آمن للاتصالات والخدمات اللوجستية، لا يمكنه فعل الكثير. في هذا العام فقط تم قتل اكثر من 27 من قادة حزب الله و2 من القياديين ذوي رتب رفيعة في الحرس الثوري ومن الممكن ان يكونوا قد لعبوا دورا في التنسيق مع جماعات المقاومة. من ناحية اخرى خلق انفجار أجهزة النداء(البايجر) مشكلة اتصالات كبيرة لحزب الله، على الأقل حتى يجد بديلاً.

ووفقاً لـ ACLED هاجمت إسرائيل وحزب الله بعضهما البعض ما يقرب من 7500 مرة في العام الماضي، أكثر من  80% من الهجمات كانت إسرائيلية استهدفت فيها  الطرق والخطوط اللوجستية وقاذفات الصواريخ. ولذلك، وبسبب تعطيل التسلسل القيادي والمشاكل اللوجستية والاتصالات، فمن الصعب على حزب الله أن ينتقم ً من إسرائيل على المدى القصير.

بطبيعة الحال ليس بالضرورة ان يستمر الوضع هكذا لأنه بالنسبة لمنظمة مثل حزب الله، لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً ليحل شخصا محل نصر الله ويعيد تنظيم نفسه عسكرياً.

ولعل حماس، التي خسرت قدراً كبيراً من قدرتها العسكرية على مدى العام الماضي، مهتمة بالحفاظ على ما تبقى منها أكثر من اهتمامها بصنع قفزة جديدة.

يمكن للحوثيين في اليمن أن يسببوا مشاكل لإسرائيل بالطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى، لكن ذلك لن يدوم طويلاً لأن الصواريخ والطائرات بدون طيار بعيدة المدى أكثر تكلفة ويصعب تمريرها عبر نظام الدفاع الإسرائيلي وحلفائه المتعدد الأطراف. بالرغم من ان بعض تلك الصواريخ للحوثيين واخرى للمقاومة الاسلامية العراقية قد وصلت بالفعل الى اراضي إسرائيل.

وفي الوقت نفسه، تمتلك الجماعات المسلحة العراقية، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ، القدرة على الوصول إلى الحدود الإسرائيلية من الخط الفاصل بين الأنبار والموصل إلى دير الزور ومن هناك إلى حدود مرتفعات الجولان. وفي وقت سابق، قال بعض قادة المقاومة الإسلامية؛ لديهم آلاف المقاتلين الجاهزين في الأردن، والذين يمكنهم الوصول إلى إسرائيل، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا مجرد جزء من دعاية الحرب، أو ما إذا كان لديهم القدرة حقًا على القيام بذلك. وإعطاء المقاومة الإسلامية دوراً قيادياً في هذا الوقت قد يواجه عقبات سياسية، لأن ذلك قد يسبب معاناة كبيرة للعراق. وقد لا ترغب الحكومة والكثير من السياسيين، وحتى بعض الزعماء الشيعة التقليديين، في توريط البلاد في الحرب. ولا يمكن أن تكون حركة هذه الجماعات خارج الإستراتيجية الشاملة لإيران، والتي لا يبدو أنها تتطلب حربًا واسعة النطاق مع إسرائيل في الوقت الحالي.

إنه وضع صعب بالنسبة لإيران، فإذا قامت بالانتقام، فقد تمهد الطريق لحرب إقليمية، وهو ما يبدو أنه آخر ما تريده الآن. وإذا لم تنتقم فإن نفوذها ستقل على الجماعات المسلحة في المنطقة ذلك ما عدا انها لم تنتقم ايضا لهنية حتى الآن. ومع ذلك، بعد هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تصاعدت الاندفاعة الإسرائيلية وأعادت التوازن العسكري والأمني ​​لصالحها. والآن الكرة في ملعب إيران سواء كانت المنطقة متجهة نحو الحرب أم أنها ستكتفي برد فعل رمزي ومحدود.

Share this Post

تحليل