تحليل

متى ينتهي شهر عسل مصطفى الكاظمي مع الاحزاب الشيعية والمليشيات في العراق؟

25-05-2020


 

RRC |  د.عثمان علي |

عضو المجلس الاستشاري لمركز دراسات رووداو

اعتبر العديد من المراقبين  تولى مصطفى الكاظمي الحكم في العراق بداية الجمهورية الرابعة في العراق ونهاية الحقبة السياسية التي بدأت عام 2003 . ولكن حضي الكاظمي في التكليف من قبل الرئيس الجمهورية  لمنصب رئيس الوزراء وفي الحصول على موافقة حكومته في البرلمان على شبه اجماع الفئات السياسية الشيعية. اذن هناك في الظاهر شهر عسل بينه وبينهم . ولكن السؤال  هنا هو ان لكل شهر عسل نهاية فمتى ستكون النهاية  لشهر عسل الكاظمي مع الاطراف الشيعية المسلحة؟ علما اكد الكاظمي منذ توليه المنصب على الحفاظ على سيادة العراق وسيادة القانون وضبط السلاح المنفلت ومعاقبة قتلة المحتجيين واجراء الانتخابات المبكرة واعادة ترتيب وصياغة الاتفاقيات التي تحكم وجود القوات الامريكية في العراق.وتعارض الاطراف الشيعية المتنفذة جل هذه الاجراءات ان لم نقل كلها. فالقبول بالكاظمي  من قبل ايران والاطراف الموالية لها في العراق لم يكن عن رغبة بل كان مثل جرع الامام الخميني السم في ايقاف الحرب العراقية-الايرانية 1988وكان ايضا حسب الخطاب السياسي الشيعي عمل شبيه بصلح الامام حسن بن علي مع المعاوية بن ابي سفيان من اجل الحفاظ على المصالح العليا للدولة. وكان ذلك كنتيجة للضعف الذي دب في المعسكر الايراني في العراق مع فقدان مهندس ومنفذ سياستها في العراق قاسم سليماني ، والتشتت في البيت الشيعي ، والحصار الاقتصادي الفعال والمؤذي المفروض على ايران من ادارة حكومة دونالد ترامب والتي ضاعفت تبعاتها  فايروس كورونا المستشري في ايران.

ورغم ان الكاظمي يدرك جيدا نقاط ضعف خصومه في المعسكر الايراني الذين سبق وان رفضوا ترشيحه في العديد من المرات لمنصب رئيس الوزراء في الاعوام 2018 و2019 الا أنه  ايضا يعرف طبيعة التحديات التي تواجه مهمته من قبيل عدم وجود كتلة برلمانية صلدة لمؤازرته وانشغال ترامب الذي يعد الداعم الرئيسي له في العراق بالانتخابات الامريكية وانتشار فايروس كورونة  وان المعسكر السني العربي الداعم له في البداية والمتمثل بتحالف القوى انشطر الى فئتين : فئة تدعم ايران بقيادة خميس الخنجر وفئة تدعم امريكا بقيادة محمد الحلبوسي ، رئيس مجلس البرلماني الحالي. فالكتلة الكوردية هي الكتلة البرلمانية الوحيدة التي تدعمه  حاليا والى حد ما مضمون الولاء.اضف الى كل ذلك هناك تحديات اقتصادية جسيمة وانتشار مرض كورونا في العراق وظهور تحدي داعش من جديد . كل ذلك يتطلب منه تفادي المواجهة المباشرة مع الاطراف الموالية لايران  والتي لها وجود مترسخ في كل مفاصل القرار في العراق.

ولكن هذا لا يعني انه سيستسلم للخصوم فهو رجل قوي الارادة وطموح ويمتلك خبرة مهنية جيدة في  ادراة الصراعات والمفاوضات ومطلع على الملفات السياسية العديدة لمعظم الاطراف السياسية وان الاداء الضعيف لحكومة عادل عبد المهدي شبح يطاردوه  ومصر ان لا يكرره.

ويبدو ان اسلوبه الحالي في التعامل مع الخصوم هو الحوار وتشتيت الصف ومن ثم محاولة احتوائهم.فرغم انه يشجع سرا الفصائل المنضوية الى ترك هيئة الحشد الشعبي الواقع تحت النفوذ الايراني والانضمام الى ما يسمى الحشد الولائي الخاضع لنفوذ مكتب اية الله علي السيستاني ، الا انه يبدو في العلن  تاييده الرسمي لهم ويثني على تضحياتهم ويزور مقر الحشد بملابس عسكرية خاصة بالحشد ويريد ان يؤكد انه القائد العام لكل القوات المسلحة ومن ضمنها الحشد. ولم يتردد في اتخاذ الاجراءات الصارمة ضد فصيل تابع للحشد المسمى ب ثار الله  حين اطلق اعضاء هذا الفصيل النار على المتظاهرين في البصرة. واقدم ايضا  على اعتقال المسؤول العسكري (في مدينة  المدائن شمال بغداد) لكتائب خراسان  القوية والموالية لايران بتهمة ابتزاز الاموال. وشكل لجنة في القضاء العراقي لمتابعة قتلة المتظاهرين.

ويبدو ان مخططه للمواجهة المحتملة مع المليشيات مبنية على تقوية الجيش النظامي في مواجهة النفوذ المتنامي للحشد خاصة من ناحية التمويل والتسليح . وضمن هذا السياق اقدم على مجموعة من الاجراءات .وتضمنت خطواته الأولى باختيار شخصيتين عسكريتين لإدارة وزارتي الداخلية والدفاع، وهما عثمان الغانمي وجمعة عناد وهما من أبرز الضباط الكبار بمرحلة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولم يحصل ذلك منذ 2003 بأن تتولى شخصيتان عسكريتان وزارتين أمنيتين خلال حكومة واحدة. كما كلف الكاظمي اللواء الركن قاسم محمد المحمدي بمنصب قائد القوات البرية، وسبقه بتعيين العميد يحيى رسول متحدثا رسميا باسم القائد العام للقوات المسلحة.

ومن الخطوات اللافتة الأخرى إعادة الكاظمي الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إلى دائرة مكافحة الإرهاب وتعيينه رئيسا للجهاز بعد ترقيته، بعد أن نُقل بأمر من رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي إلى الإدارة وهي خطوة تعني تجميده، ووصف الكاظمي الساعدي بـ”الصديق” وهو الأسلوب نفسه الذي كان ينادي به صدام حسين الحزبيين بـ”الرفاق”.

وقد يكون الخطوات اللاحقة في تغيير مناصب وولاءات قادة  الحشد وتحويل سلاحهم الثقيل الى مؤسسات الجيش النظامية وتسريع عدد غير قليل منهم برواتب تقاعدية وضم قسم من كوادرهم في مؤسسات وزارة الداخلية . ولن يتردد الكاظمي في تحريك ملفات الفساد  ضد عدد من قادة  الصنف الثاني في هذه الفصائل لتحجيمهم في المستقبل المنظور بعد احتواء التحدي الذي يبديه ارهاب  داعش.علما ان فصائل الحشد حالها كحال القوات المسلحة الاخرى تنخر فيها الفساد بشتى انواعه. وقد يلجأ الكاظمي الى سياسة فرق تسد وضرب الفصائل بعضها بالبعض.

وكانذار للاخرين مممن يسمون بحيتان الفساد بانه عازم على وضع حد لهم وبصرامة  بدأ بتقليد اسلوب صدام حسن في هذا المجال  حيث  قام بزيارة لهيئة التقاعد العامة والاطلاع على عملها عن كثب وقام عبر اتصال هاتفي معلن ونشر في القنوات الاعلامية بتهديد شقيقه الاكبر بإجراءات رادعة إذا حاول استغلال اسمه في دوائر الدولة.

وهناك تحدي اخر هو ان ايران لن تتوانى في المستقبل بتوجيه الفصائل التي تسمي نفسها فصائل المقاومة في العراق بضرب المصالح الاقتصادية والعسكرية لاميركا في العراق. وقد تحدث هذه المواجهات داخل العراق اذا حدثت مواجهات  عسكرية بين امريكا واسرائيل وايران في سوريا وفي مياه الخليج. وقد تمارس ايران  الضغط على الكاظمي وامريكا حين تبدا الدولتين المفاوضات الاسترايجية في حزيران القادم.

وستستخدم كل من ايران والكاظمي في المستقبل القريب المحتجين كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية وقد يترتب عن ذلك  الفوضى وتفجير الاوضاع الامر الذي يدفع ايران الى اللجوء الى تبني الخيار الحوثي في العراق. ولا يستبعد المراقبون لجوء ترامب  الى خيار الانقلاب العسكري في العراق في حالة وجود استفزاز من ايران او كوسيلة للفت الانظار عن اخفاقه الحالي في التعاطي مع ازمة كورونا التي بدا يهدد فرص فوزه في الانتخالات القادمة.

اذن في كل الاحوال لن يطول شهر العسل الضاهر حاليا بين المليشيات في العراق وحكومة الكاظمي وستكون العراق مسرحا مهما في الصراع الايراني-الامريكي والتي ستكون لها بدوها  تبعات على الاقليم ودول الجوار.

Share this Post

تحليل