تحليل

مخاوف الكورد من تعديل الدستور العراقي

26-11-2019


 

 

RRC |    

 

د. هلمت غريب

د. خاموش عمر

د. سولاف كاكائي|

 

مقدمة

بينما كانت المطالب الأولى للمتظاهرين تدور حول المواضيع الاقتصادية والفساد المالي والإداري، أدرج تعديل الدستور على حين غرة ضمن مطالب المتظاهرين. فبات موضوع تعديل الدستور مسألة دخلت المجال العملي وشكل مجلس النواب العراقي لجنة لهذا الغرض تقوم بمراجعة الدستور خلال فترة أربعة أشهر. لا شك أن الدساتير قابلة للتغيير، لكن الدستور ليس مصدر المشاكل الاقتصادية والسياسية الحالية للعراق. المخاوف ناتجة عن إرادة بعض القوى السياسية اتخاذ تعديل الدستور، وبحجة تلبية مطالب المتظاهرين، وسيلة لتقليص فضاء الديمقراطية والفدرالية في النظام السياسي العراقي.

إلى أي حد قد يكون تعديل الدستور عملياً؟ ما هي المخاطر التي يمثلها التعديل على الفدرالية والديمقراطية في العراق عموماً وعلى الحقوق الدستورية للكورد وأقليات هذا البلد؟ والأهم من هذا، ما الذي يجب أن يفعله إقليم كوردستان في هذا السياق؟

تعديل الدستور

كان السنة في العراق أول المطالبين بتعديل الدستور، ثم بات هذا مطلب قسم من القوى السياسية الشيعية التي تطلب هذا منذ فترة، وكانت هناك محاولة لتعديل الدستور في العام 2009، وتم إعداد مشروع يتضمن تعديل 102 من أصل 144 مادة دستورية. في الحقيقة، كان المشروع أشبه بتغيير للدستور أكثر من كونه تعديلاً للدستور القائم. هناك توجه جاد عند قسم من القوى الشيعية يقول إن النظام البرلماني لا يقوي الدولة ويجب استبداله بنظام رئاسي مع تعديل الدستور.

“تقول المادة 126 من الدستور العراقي إن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء معاً يمكنهما المطالبة بتغيير الدستور. كما أن هناك آلية يمكن من خلالها لنواب البرلمان المطالبة بهذا. لكن تغيير الدستور في النهاية مرهون باستفتاء للشعب، ورغم أن الفقرة الثانية أولاً والرابعة ثانياً من المادة 126 والفقرة الرابعة ثالثاً من المادة 142 تضع آلية محكمة لحماية حقوق السنة والكورد والأقاليم وخاصة إقليم كوردستان في حال أي تغيير في الدستور يكون لصالح مطالب الأغلبية، فإنه في جغرافيا كجغرافيا الشرق الأوسط والعراق، يمكن للأغلبية وبسهولة انتهاك تلك الفقرات الدستورية التي صوت عليها الشعب”، كما أن بعض الشيعة يشجعون على تسجيل شكوى على المادة 142 الدستورية التي يعدونها بمثابة حق نقض كوردي – سني، في محاولة منهم لحرمان الكورد من حقهم في نقض التعديل من خلال المحافظات الثلاث لإقليم كوردستان، وذلك بدعوى أن نص الدستور الذي تمت المصادقة عليه كان مؤلفاً من 129 مادة ثم أضيفت عليه مواد أخرى. لكن هذا لا يعد حجة قانونية لأن الدستور ذا الـ144 مادة هو الذي تم التصويت لصالحه في الاستفتاء العام.

هناك مادتان دستوريتان لهما علاقة بتعديل الدستور، وهما المادتان 126 و142، والأولوية في تعديل الدستور أعطيت للمادة 142 وتم تشكيل اللجنة النيابية الخاصة بتعديل الدستور على أساس هذه المادة. الجانب الإيجابي في هذه المادة هو وجود نوع من حق النقض والجانب المقلق فيه هو أنه يسمح بمراجعة كل الدستور وطرح التعديل دفعة واحدة للاستفتاء عليه.

المخاطر التي يمثلها تعديل الدستور بالنسبة للكورد

النقطة الرئيسة بالنسبة للكورد في الدستور العراقي تتمثل في الفدرالية وعليهم أن يمنعوا المساس بها. بل يجب العمل على دفع السنة أيضاً للمطالبة بالفدرالية. هناك مواد يشكل المساس بها تهديداً للكورد ومن بينها المواد: 126، 140، 117، 106، 114، 115، 112، 121.

كما أن تحويل النظام في العراق إلى رئاسي، سيؤدي إلى بروز مشكلة في معادلة مشاركة المكونات في السلطة السياسية في العراق.

هيأت التظاهرات فرصة لقسم من القوى الشيعية، التي تميل إلى إقامة سلطة مركزية، لتصر على تعديل الدستور. لكن المشكلة هي أن من سيقوم بتعديل الدستور هم القوى التي خرجت التظاهرات ضدها.

تضم لجنة تعديل الدستور 18 عضواً لم يتفقوا بعد على آلية لعمل اللجنة واتخاذ قراراتها. كما أن فترة محدودة كفترة الأربعة أشهر ليست كافية. هذا يجعل الأمر بحاجة إلى المزيد من الوقت لتوضيح نقاط الغموض والمشاكل الرئيسة للدستور. فمثلاً هناك 50 مادة دستورية يجب تنظيمها بقوانين، الأمر الذي جعل من القانون الأساس يبدو كقانون للبرلمان يسهل تغييره وتعديله.

من النقاط الأخرى، استمرار التظاهرات حتى الآن جعل قسماً من البرلمانيين والسياسيين يقبلون بأي مطلب لقاء بقائهم. ما يثير المخاوف من احتمال قبول هؤلاء بتغيير قسم من الأسس الرئيسة التي يقوم عليها الدستور.

النتيجة

الضمان الوحيد للكورد هو حق النقض من خلال المحافظات الثلاث، لكن هذا أيضاً قد يسبب مشاكل سياسية لإقليم كوردستان، لأنه يؤدي إلى اتخاذ المتظاهرين موقفاً مضاداً لإقليم كوردستان بعد أن بات تعديل الدستور جزءاً من مطالبهم. كما قد يؤدي إلى ضغوط دولية على الكورد تجبرهم على القبول ببعض التغييرات في الدستور.

عند المصادقة على الدستور في 2005، كانت أحوال الكورد مختلفة فقد كانوا أقوياء من كل النواحي، لكن هذا الوضع لم يعد على حاله وشهد تغيراً.

المحكمة الاتحادية هي الجهة التي تحسم الخلافات بين الأقاليم وتحمي حقوق المكونات في النظام الاتحادي. لكن المشكلة في هذه المحكمة أنها لم تشكل بموجب الدستور بل بقرار من رئيس الوزراء.

محاولات تغيير الدستور جادة، وعلى الكورد بدلاً عن التزام الدفاع وحماية أنفسهم، أن يحشدوا قواهم لتقديم مطالبهم المرتبطة بالدستور. فيجب عند تعديل المواد الدستورية الحفاظ على ما تحقق في 2005 والسعي لتحقيق ما لم يتحقق آنذاك، لذا يجب:

تشكيل لجنة وطنية متخصصة لمساندة الأعضاء الكورد في لجنة تعديل الدستور.

العمل على إضافة مادة دستورية تمنع تعديل المواد ذات العلاقة بالطبيعة الاتحادية للدولة.

من الأفضل تحديد عدد أعضاء المحكمة الاتحادية من خلال الدستور، بدل الاكتفاء بتنظيمه بموجب قانون كما هو الآن. كذلك يجب توضيح دور رجال الدين فيها، بصورة لا يكون لهم معها تأثير على الجانب القانوني، لأن القوانين ليست لها قوة المواد الدستورية.

تثبيت المجلس الاتحادي في الدستور بالصورة التي يضم فيها المجلس ممثلي إقليم كوردستان والمحافظات مع توضيح دقيق لمسألة العضوية وهل يحدد عدد الأعضاء حسب النسب السكانية للمناطق أم بالتساوي بين المحافظات. كما لا ينبغي أن يكون في المجلس رجال دين، كما يحبذ الشيعة، وأن تكون رئاسة المجلس دورية بين المكونات.

يجب أن يعمل الكورد على تمديد الأشهر الأربعة المخصصة لتعديل الدستور.

عقد اجتماعات تخصصية لبحث موضوع تعديل الدستور وتنبيه الرأي العام إلى المخاطر التي تحيط به:

1- التأكيد على أن تعديل الدستور لن يمس الأسس الرئيسة والحقوق والحريات الواردة في البندين الأول والثاني إلا بطلب من ثلثي أعضاء البرلمان وبمصادقة من الشعب.

2- يؤكد هذا البند على أن التعديل في الدستور لا يجوز أن يشمل المواد التي تتيح تقليص سلطات الأقاليم إلا بطلب من البرلمان المحلي وموافقة شعب الإقليم عليه من خلال عملية استفتاء.

3- هذه الفقرة تنص على أن التعديل يتم نقضه إذا رفضه ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات.

Share this Post

تحليل