تحليل

نتائج الإنتخابات والطريق الى تشكيل الحكومة

24-10-2024


بعد تأجيلها مراراً اجريت إنتخابات برلمان كوردستان وانتهى إختبار الأحزاب لعدد اصواتهم، والآن هو وقت السؤال الأصعب وهو ان متى وكيف ستشكل الحكومة؟ ما عدا ذلك من المهم ان نعلم ماذا تعني هذه النتائج وماذا تخبرنا عن مستقبل إقليم كوردستان.

على عكس الكثيرين الذين يتوقعون أن يكون هناك ماراثون طويل لتشكيل الحكومة المقبلة، فإن فرص تشكيل الحكومة أعلى من أي وقت مضى. ولكن قبل أن نتحدث عن ذلك، من المهم أن نلقي نظرة على النتائج. من الواضح ان بعض الأطراف تطعن بالنتائج، لكن إذا أخذنا النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا للإنتخابات كأساس، يمكننا القول إن الانتخابات لم تغير الخريطة السياسية لإقليم كوردستان، بل خلقت مثلثا قويا بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني- الإتحاد الوطني الكوردستاني وحراك الجيل الجديد والذين سيمكنهم التأثير اكثر من الأطراف الأخرى على الأحداث في اقليم كوردستان.

كيف يمكننا فهم النتائج؟

اولاً: اصوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني في عام 2021 كانت اغلبها في المناطق المحيطة بأربيل لكن هذه المرة اخذت جغرافيا الأصوات مساحة اوسع. في إنتخابات 2021 كان التحدي الأكبر بالنسبة للحزب الديمقراطي في اربيل هو إرضاء المصوتين في مركز المدينة للتصويت له لكن بحسب نتائج 2024 لم يعد ذلك تحديًا وانهم قد حصلوا على اصوات كثيرة في مركز المدينة والمناطق المحيطة والريفية، وحسم الجدل حول موقفه في أربيل بنحو 60 ألف صوت أكثر من إجمالي أصوات جميع الأحزاب الستة الرئيسية المتنافسة. وفي دهوك عام 2021، تركزت أصوات الحزب الديموقراطي الكوردستاني في المناطق الوسطى والشمالية الشرقية من محافظة دهوك، مثل قضاء دهوك – زاخو وسيميل. وفي المناطق الشرقية والجنوبية من محافظة دهوك، قامت قوى أخرى مثل الإتحاد الإسلامي والإتحاد الوطني الكوردستاني بوضع عقبات أمام الحزب الديمقراطي الكوردستاني في أماكن مثل آميدي وديرلوك وشيلادزي وعقرة وبردرش، على الرغم من أنه كان يتمتع بموقع قوي هناك، إلا أنه هذه المرة حصل على أغلبية الأصوات في مركز دهوك، ارتفعت عدد اصواته الى أكثر من 140 ألف صوت و268327 صوتا أكثر من إجمالي أصوات جميع الأحزاب الأخرى.  وفي السليمانية وحلبجة ارتفع بمقدار 7881 صوتا في كلتا المحافظتين مقارنة بإنتخابات 2021، لكن هذا ليس تغييرا كبيرا مقارنة بأربيل ودهوك.

بالنسبة للحزب الديمقراطي الكوردستاني هذه النتائج مفيدة ومضرة في نفس الوقت. مفيدة لأنها على الرغم من الحملات التي شنت ضده بصورة مباشرة او غير مباشرة استطاع ان يجمع 229963 صوتًا اكثر من إنتخابات 2021. من الناحية السياسية سيجعل ذلك الأطراف الشيعية في العراق وإيران ان يحاولوا تقوية علاقاتهم مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وذلك في حين ان بعد إنتخابات مجالس محافظات العراق كان التصميم السياسي للوضع للمحافظات الحدودية مع إقليم كوردستان في خط ديالى-كركوك-الموصل كان هوس تغيير السياسة قد سيطر على بعض الأطراف في داخل وخارج العراق لتضعيف الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

 وبعد انتخابات مجالس المحافظات العراقية، لم تسفر سياسة تركيا المتمثلة في إحياء نموذج النفوذ من خلال التركمان عن نتائج تذكر. وفي كركوك تم تعيين تركماني نائباً للمحافظ خارج إرادة الجبهة التركمانية التي حصلت مع جميع مرشحيها على أقل من 2000 صوت في انتخابات حكومة إقليم كوردستان. بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج أنقرة إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني أكثر مع بدء مرحلة جديدة من الانفتاح الكوردي.

إلا أن النتيجة أيضاً غير مواتية للحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي خسر عدداً كبيراً من المقاعد السابقة بسبب تقسيم الدوائر الانتخابية، الأمر الذي قد لا يكون مفيداً في مفاوضات تشكيل الحكومة.

ثانياً: كانت نتائج الإنتخابات بمثابة إنتصار للإتحاد الوطني الكوردستاني. أولاً، حصل الحزب على 193.425 صوتا مقارنة بـ 193.425 صوتا في 2021 ويبدو أنه خسر الأصوات في حلبجة، لكنه بقي في المركز الأول. وفي السليمانية وأربيل، تضاعفت أصواته تقريباً بالمقارنة مع عام 2021. ومن ناحية اخرى لم تستطع الأحزاب المنشقة من الإتحاد الوطني الكوردستاني كحركة التغير والجبهة الشعبية ان تحقق انتصارا ملحوظا وبذلك تمكن زعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني من إحياء الحزب وان يثبت نفسه في كرئيس لا منافس له داخل حزبه.

بالنسبة للإتحاد الوطني الكوردستاني كانت اصوات الناخبين المستائين في اربيل هدفا كما كانوا هدفا لأحزاب اخرى ايضا. من بين الأحزاب الإسلامية الذين هم ايضا كانوا يطمحون للحصول على تلك الأصوات في اربيل شهدت اصوات الإتحاد الإسلامي قفزة نوعية في عدد اصواتها حيث تضاعفت الى ما يقارب الستة اضعاف، بينما جماعة العدل الكوردستانية لم تسجل إختلافا ملحوظا في عدد اصواتها، لكن خيار الناخب الإسلامي قد لا يكون مقبولاً بشكل أساسي لدى الإتحاد الوطني الكوردستاني، على الرغم من أن زعيم الإتحاد الوطني الكوردستاني أراد خلال الحملة الانتخابية استمالة الإسلاميين،  لكن خيار الناخب الإسلامي قد لا يكون مقبولاً بشكل أساسي لدى الاتحاد الوطني الكوردستاني، على الرغم من أن زعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني أراد خلال الحملة الانتخابية استمالة الإسلاميين، لذلك يمكننا القول أن العائق الأكبر أمام الاتحاد الوطني الكوردستاني في أربيل حراك الجيل الجديد وقائمة الجبهة الشعبية وحركة هلويست. من بينها، حراك الجيل الجديد كان الوحيد الذي أثبت نفسه كمنافس مهم للإتحاد الوطني الكوردستاني في أربيل، والذي زاد عدد أصواته تدريجياً في أربيل خلال ثلاثة انتخابات متتالية. لم تتضمن جدول اعمال الإتحاد الوطني الكوردستاني امرا مهما في دهوك الا ان عدد اصواته زادت مقارنة بعام 2021 بمقدار 3600 صوت.

عموماً كانت هذه الإنتخابات بمثابتة إختبار كبير لزعيم الحزب لكي يثبت مكانته كصاحب السلطة الرئيسية في حزبه، وكانت ايضاً إختبارا لأدائه السياسي وكيفية تعاطيه مع القوة التي بين يديه للإتفاق مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

ثالثاً: ان اجندة حراك الجيل الجديد مثير للإهتمام حيث ان خلال إنتخابات 2018، 2021 و 2024 استطاع ان يزيد اصواته تدريجيا ويعتبر عنوانا للمعارضة السياسية في كوردستان بالرغم من انه لا يمتلك مكون حزبي مؤثر.

رابعاً: الحركات الإسلامية اصبحت اقوى في اربيل والسليمانية لكنها تراجعت في دهوك. يبدو ان سياسة الحزب الديمقراطي في ترشيح اشخاص من عشائر مختلفة كان له تأثير على ذلك. ويمكنه ان يكون ذلك تفسيرا لإرتفاع اصوات حراك الجيل الجديد ايضًا حيث ان عدد اصواته تضاعفت بالمقارنة مع عام 2021. اي ان الناخبين الذين يهتمون بشكل اقل بالعلاقات الدينية والإجتماعية في دهوك قاموا بالتصويت لحراك الجيل الجديد.

خامساً: بحسب الأصوات ظهر ان في هذه الإنتخابات لم يكن للمرشحين دورا كبيرا في جمع الأصوات ما عدا اصوات حلبجة، بل ان القوائم والأحزاب هم من كان لهم الدور في جمع الأصوات، في الحقيقة ان زعماء الأحزاب هم من كان لهم الدور الأكبر في ذلك.

سادساً: اظهرت هذه الإنتخابات ان عدد المتابعين في وسائل التواصل الإجتماعي ليس مقياسا لعدد المصوتين حيث رأينا ان عددا من الناشطين في وسائل التواصل الإجتماعي كانوا مرشحين ولم يستطيعوا الحصول على اصوات كافية.

لماذا من المحتمل ان تشكل الحكومة سريعا؟

في الواقع ان دائما تشكيل الحكومات في غقليم كوردستان مانت تحتاج وقتا طويلا لكم هذه المرة من المحتمل ان تكون اسرع للأسباب التالية:

اولاً: خلافاً لكل السيناريوهات المتداولة، هناك سيناريو رئيسي واحد لتشكيل الحكومة وهو انه لا يمكن تشكيل الحكومة بدون الإتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني. ويدرك الحزب الديمقراطي الكوردستاني ذلك، لذا فقد أبقى الباب مفتوحاً أمام الاتحاد الوطني الكوردستاني حتى خلال الحملة الإنتخابية.

ثانياً: ان آليات اتخاذ القرار داخل الإتحاد الوطني اسهل بكثير من قبل لذلك يمكن لإجتماع على مستوى القمة ان يحسم الكثير من الأمور.

ثالثاً:  على الأرجح، بسبب الاضطرابات في المنطقة، فإن كل من الجهات الفاعلة الخارجية التي تؤثر على عملية تشكيل الحكومة سوف ترغب في تشكيل الحكومة في وقت مبكر. بالنسبة للحكومة العراقية والشيعة وحتى بالنسبة لإيران، فإن عدم إستقرار الوضع في إقليم كوردستان يمكن أن يؤدي إلى مشاكل أمنية. في الأساس، خلقت الحرب في المنطقة فرصة جديدة للأكراد. عادت أنظار الأطراف الخارجية مرة أخرى نحو القضية الكوردية وتزايدت أهمية الموقف الكوردي سياسياً وأمنياً. وللمرة الأولى منذ 45 عاما، عينت إيران كورديا سنيا كمحافظ وقامت بتطبيع العلاقات مع إقليم كوردستان. بالنسبة لتركيا، التي تعتزم بدء مرحلة جديدة بشأن القضية الكوردية، فإن تطبيع العلاقات بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني وتشكيل الحكومة يشكل أهمية كبيرة. وحتى لو لم يحدث ذلك، فإن الأمر لا يزال يهمه لأن الانقسام بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني يمنح حزب العمال الكوردستاني المزيد من الفرص للمناورة.

رابعاً: ستجرى انتخابات أخرى في العام المقبل، وليس لدى الحزبين الرئيسيين في إقليم كوردستان سوى القليل من الوقت لإقناع الناخبين مرة أخرى  وليس من المناسب لهم إضاعة الكثير من الوقت في الحديث عن تشكيل الحكومة.

وأخيراً، لا يمكن تجاهل أن العوامل الشخصية تؤثر أيضاً على العلاقة بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، مما قد يؤدي إلى تعقيد المفاوضات. ولكن إذا تصرف الجانبان على أساس الضرر والفائدة، فسيكون تشكيل حكومة هذه المرة أسهل من ذي قبل.

Share this Post

تحليل