RRC |مامند روجه|
تكاد الأزمة السورية تتحول إلى عقدة دولية، فيجري إسقاط طائرة روسية في إدلب وأخرى إسرائيلية في الجولان، ومروحية تركية في عفرين، وإسرائيل تتهم إيران وإيران تهدد، وتركيا بصدد الهجوم على منبج، وروسيا تتهم أمريكا بضرب القوات السورية في دير الزور وأمريكا تعلن المسؤولية عن الهجوم.
سؤال: هل ستدفع هذه المعادلة الجديدة في سوريا العالم صوب استقطاب جديد؟
فرضية: يمكن القول إن الوضع في سوريا سيخلق عقدة جيوسياسية وجيوستراتيجية من المحتمل أن تقسم العالم إلى أقطاب جديدة.
مشكلة: سوريا تنقسم عملياً
منذ أن استولت أمريكا في جنيف على شرق سوريا، واستولت روسيا على غربها، انقسمت سوريا حسب الخبراء الستراتيجيين إلى قطاعين رئيسين. من هنا دخل الصراع في هذا البلد حالة مختلفة.
فأصبحت قوى عظمى عالمية وقارية وإقليمية تسرح وتمرح في سوريا. حيث سيطرت أمريكا بدعم قوات سوريا الديمقراطية على شمال شرق البلد، وقامت أيضاً بترميم عدد من القواعد العسكرية البرية والجوية واتخذت منها مقرات لقواتها.
وزادت روسيا من تواجد قواتها في قاعدتين جويتين، وتروم تغطية الأجواء السورية بنظام S300 الدفاعي الصاروخي.
إيران، وحسب إعلامها الرسمي أعلنت أن قواتها تتواجد في سوريا تلبية لطلب الدولة السورية وتركز على الدور الاستشاري هناك، في حين تمتلك ميليشيات إيرانية ولبنانية وعراقية، بطلب من فيلق القدس، قواعد ومقرات في سوريا وتشارك في الحرب هناك. حتى أن بعض الخبراء يشيرون إلى محاولات لتشكيل جيش شيعي عالمي في سوريا.
ولكي لا تتخلف عن القافلة، بدأت تركيا عملياً منذ سنتين بتنفيذ عمليات عسكرية. فقد اقتنع العقل الستراتيجي للدولة في أنقرة بأن سوريا بدأت تنقسم فعلاً وإن لم تتدارك نفسها فلن يبقى لها موطئ قدم في سوريا. لهذا بدأت بعملية درع الفرات واستقطعت مثلث جرابلس – أعزاز – الباب، وهي الآن بصدد تنفيذ عملية في عفرين وتنوي القيام بأخرى في إدلب في المستقبل القريب. تريد تركيا أن تقيم نظام حكم باسم المعارضة السنية في المناطق التي تحتلها.
منذ بدء الربيع العربي، تشن إسرائيل وباستمرار هجمات جوية على قواعد نظام الأسد وقوات حزب الله والقواعد الإيرانية بحجة حماية أمن إسرائيل الستراتيجي. بدأت إسرائيل مؤخراً تقول إنها لن تسمح بإقامة قواعد إيرانية إلى جانب حدودها، كما أنها تبني جداراً على حدودها مع لبنان لتفتح بذلك الباب في وجه أزمة جديدة، وتريد من خلال قسم من المعارضة السورية تحويل جزء من منطقة السويداء إلى جدار أمني.
نشرت فرنسا وألمانيا أيضاً بعض قواتهما في شمال شرق سوريا، في إطار التحالف الدولي المضاد لداعش، وتساعدان قوات سوريا الديمقراطية عملياً. تريد هاتان الدولتان أن تؤثرا على الوضع في سوريا من خلال قوات سوريا الديمقراطية وعدم التخلف عن الركب.
وتعمل الأردن، بدعم من السعودية والإمارات وأمريكا، على تشكيل قوة معارضة في جنوب وجنوب غرب سوريا، وقد باشرت هذه القوة بمسك الأرض وتنوي الوصول إلى حيث قوات سوريا الديمقراطية.
مشكلة: مصير القوى الكوردستانية
في خضم المعضلة السورية يكاد يتشكل استقطاب عالمي جديد. فقوى الأطلسي تعمل على تثبيت مواقعها من جهة، وتريد تحويل ستراتيجيتها من القضاء على داعش إلى التصدي للنفوذ الإيراني (النفوذ الأوراسيوي في الحقيقة). لهذا ستتغير مواقع وستراتيجية القوى الأطلسية للبقاء طويل الأمد.
وتريد القوى الأوراسيوية بزعامة روسيا وكازاخستان، أن تكون لها المكانة الأولى في سوريا، ومن خلال تقديم كازاخستان تريد هذه القوى ضرب عصفورين بحجر واحد: أولاً، ولادة نموذج أوراسيوي للإسلام يمنح هذا البلد دوراً إسلامياً – أوراسيوياً، وثانياً، تفتح الأبواب من خلال أوراسيا في وجه تركيا التي يراد لها أن تبتعد عن الناتو والانضمام إلى هذا التحالف.
القوات الكوردية تمثل القوات البرية الرئيسة لحلف الأطلسي، وهذا سيعزز مكانة الجزيرة – كوباني لكنه يعرض مكانة عفرين للخطر، لأن الروس يستطيعون وبسهولة بيع عفرين للأتراك. فأمريكا تؤكد من جهة على البقاء في منبج، الأمر الذي يزعج تركيا التي ترد على ذلك بالتلويح المستمر بالابتعاد عن ناتو. من جهة أخرى، ورداً على العقوبات الأوروبية المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية، أوقفت روسيا مشروع تصدير الغاز الطبيعي عبر أوكرانيا وتريد تصديره عبر تركيا وبلغاريا.
بعد التوقيع على اتفاقية تُرك ستريم، تعمل روسيا رسمياً على تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا التي تعاني من نقص في المصادر الهيدروكربونية وتستورد 60% من حاجتها للغاز الطبيعي من روسيا و30% من إيران و10% من أذربيجان. لذا وبعد إنهاء أزمة الطائرة الروسية والمحاولة الانقلابية الفاشلة، استقل أردوغان طائرة خاصة وزار سانت بطرسبيرغ وقدم شكره لبوتين على دعمه في مواجهة المحاولة الانقلابية.
لعبة الشطرنج هذه، تطرح هذه الصيغة: كوردستان هي قلب الشرق الأوسط، والشرق الأوسط هو قلب العالم. بتعبير آخر، تمثل سوريا الجانب الغربي من هذا القلب، ولهذا يبدو أنه يجري العمل على حسم اللعبة الجيوسياسية والجيوستراتيجية العالمية بدءاً من سوريا.
وإذا قرأ الكورد مكانتهم الجيوسياسية، وحاكوا تحالفاتهم الستراتيجية بدقة، ولم يرتكبوا أخطاء ستراتيجية وملأوا الفراغ الجيوسياسي السوري كما ينبغي، فإن المكانة القارية لكوردستان ضمن القلب الجديد للعالم ستؤتي ثمارها وستفتح المعادلات الستراتيجية السورية في بدايات هذا القرن الأبواب في وجه عصر جديد بالنسبة للكورد.