تمهيدي
تتخذ الحكومة العراقية والبنك المركزي يوميا اجرائات جديدة بخصوص سعر الدينار مقابل الدولار، لكن سعر الدينار ليس مستقرا وسعره في النزول يوميا مقابل الدولار الاميركي في السوق العراقي واقليم كوردستان، حيث لم يكن اجمالي االفرق في الستة اعوام الماضية بين البنك المركزي والسوق بقدر اختلاف هذه السنة والشهر الماضي الذي وصل الى 296 دينار للدولار الواحد!
بحسب بيانات البنك المركزي في المدة الماضية كان الفرق بين سعر السوق والبنك المركزي للدولار الواحد بين 10 الى 50 دينار لكن منذ بداية هذه السنة كان الفرق اكثر من 100 دينار ووصل الى 300 دينار لكل دولار. في حين ان بحسب المعايير وعلم المالية والبنوك من الطبيعي ان يكون الاختلاف من 1 الى 5 الاف دينار اي نسبة 1% الى 3%.
من جهة اخرى ما يحدث الان في سوق العملة او ما يسمى "بالبورصة" في العراق هو ليس سوى ان تجار العملة قي البنك المركزي والحكومة العراقية سلطتهم اكبر لتحديد سعر الدولار مقابل الدينار في السوق! لان الحكومة العراقية رفعت سعر الدينار مقابل الدولار منذ 8 اشهر لكن سعر الدينار يشهد نزولا يوما بعد يوم في السوق!
من ناحية الاجرائات اتخذت حكومة السوداني الخطوة الاولى في 7 شباط 2023 والذي غير فيه سعر الدولار في البنك الفيدرالي من 1450 الى 1300 دينار، الملفلت هو انه وبالرغم من اضعاف المحاولات الا ان الفروقات تكبر يوما بعد يوم.
في الاونة الاخيرة اعلن المتحدث الرسمي باسم حكومة السوداني في اخر التوقعات ان اذا شهد سعر الدينار امام الدولار عدم استقرار اكبر فسوف نضطر الى بيع الدولار للمواطنين بشكل مباشر! والذي يعتبر تهديدا واضحا للذين يربحون مليارات الدينار يوميا، والذين وصلت ارباحهم الى 1.9 تريليون لحين نهاية اب 2023 هذا وبالرغم من ان الان الحكومة العراقية تتعامل من الناحية التجارية مع الصين بالين ومع الامارات بالدرهم ومع ايران بالتومان.
وهنا نقف لدى نقتطين مهمتين، الاولى ان لماذا هناك فرق في قيمة الدينار بين السوق والبنك المركزي؟ في حين ان الاسعار من المفترض ان تكون متقاربة وما سبب ذلك الفرق؟ والثانية هي تطبيق قرار وقف التعامل بالدولار في جميع ارجاء البلاد ماذا سيأثر على دخول الدولار وخروجه من العراق؟ ايضا نلقي الضوء على قرار البنك المركزي والحكومة العراقية للتعامل بالدينار داخليا ومدى تأثير ذلك على ثقة الناس بالبنوك،مشكلة الشركات والمؤسسات التي تدفع رواتب موظفيها بالدولار. هل سوف يدفعون رواتب موظفيهم من خلال الشبابيك بشكل مباشر او سوف يجدوا طرقا اخرى للتعامل بالدولار ودفع رواتب موظفيهم بالدولار؟
لماذا سعر الدينار في السوق ليس متطابق مع سعره في البنك المركزي؟
بحسب بيانات البنك المركزي العراقي خلال 10 اشهر مضت (1-1-2023 حتى 31-10-2023) البنك المركزي العراقي عرض مبلغ نقدي (8.244) مليار دولار وعلى شكل حوالات مبلغ(29.955) في حين ان في نفس المدة عام 2022 كان مبلغ النقد(7.613) مليار دولار ومبلغ (35.474) للحوالات.
بالنظر الى الاعوام التي مضت كما هو موضح في الرسم البياني(1) كان هنالك اكبر مستوى عرض للنقد في السنة الجارية في الاسواق، لأن الحوالات قلت فمثلا في عام 2022 مقارنة مع 2023 خلال 10 اشهر قلت نسبة الحوالات بمبلغ 5.51 مليار دولار، في المقابل زاد عرض النقد بمبلغ 630 مليون دولار في نفس المدة!
الملفت هو بالرغم من عرض اكبر كمية نقد خلال 10 اشهر مضت بالمقارنة مع الخمسة اعوام الماضية لكن فرق المجموع السنوي لسعر الدولار بين البنك المركزي والسوق ملفت ففي عام 2023 وصل الى 200 دينار في حين ان خلال 5 سنوات مضت كان مابين 20 الى 40 دينار كما هو موضح في الرسم البياني(1) في الادنى.
الرسم البياني(1): عرض الدولار من قبل البنك المركزي العراقي في العشرة اشهر الاولى (2018-2023)
المصدر: البنك المركزي العراقي CBI
ملاحظة: تحسب 10 اشهر فقط من السنة مثلا من 1-1-2023 الى 31-10-2023
الرسم البياني(2): المجموع السنوي لسعر الدولار الواحد مقابل الدينار بين البنك المركزي والسوق في 2018-2023
المصدر:البنك المركزي العراقي CBI
ايضا هناك حقيقة اخرى بخصوص عمل البنك المركزي العراقي وهي ان البنك حامي للدينار لان البنك ايضا يستقبل الدولار يضع فائدته ثم يحول الدولار لوزارة المالية الى دينار، لماذا لا يمكن ان يكون قيمة الدينار بالشكل الذي حدده البنك، لان ما يحدث هو شيء خارج عن المألوف ولا يجب ان يكون الفارق كبير لهذه الدرجة وان يتلاعب مجموعة من التجار بسعر الدولار ويربحوا الملايين خلال ساعة كما هو موضح في الرسم البياني (3).
الرسم البياني(3): المجموع الشهري لسعر الدولار مقابل الدينار بين السوق والبنك المركزي من 2018 الى 2023
المصدر: البنك المركزي العراقي CBI وبورصة سعر العملات 2023.
ملاحظة: سعر السوق لعام 2023 مصدره بورصة بغداد
هذا النزول المستمر لسعر الدينار لا ربط له بالاسواق اي ليس له اي علاقة بنزول سعر الليرة التركية او التومان الايراني والذي حدث لهم لان الاقتصاد العراقي مختلف تماما وليس لديه اقتصاد مستقل ولا سوق مستقل وحر بل هو خليط مختلف تماما او انعدام للنظام الاقتصادي.
لان شركات الدولة تسيطر على اكبر قطاع انتاجي في البلد، قطاع انتاج النفط والغاز وتشكل 88% من مجموع صادرات الدولة ويعود الربح ويوزع! وفي الوقت نفسه لا يمكن ان نقول انها سوق محتكرة ومغلقة،ولأن السوق حر للغاية، يتم استيراد سلع بقيمة مليارات الدولارات سنويا، يكون سعرها وتركيبتها مزيجا من المواد الأصلية والمقلدة والمرتدية المحلية والأجنبية وبكم تبيعه وبكم تشتريه انت حر!
ووفقا لأحدث تقرير للحرية الاقتصادية في العالم”Economic Freedom of the World” العراق بين الدول الاسوأ يحتل المرتبة 143 من بين 165 دولة، ويقيم التقرير اقتصاد الدول في خمسة مجالات مختلفة، مثل حجم الحكومة، والأنظمة القانونية وحقوق الملكية، وتوافر الأموال، وحرية التجارة الدولية، ووجود القوانين واللوائح، وحصل العراق على 7.53 من أصل 10 نقاط من حيث توافر الاموال، فيما سجل 2.29 نقطة من حيث النظام القانوني وحقوق الملكية، ليحتل المرتبة 160 من بين 165 دولة.
وفي الواقع، هناك جانب رئيسي آخر لارتفاع قيمة الدولار مقابل الدينار يتعلق بتجارة العراق مع الدول الأخرى وفي عام 2021، على سبيل المثال، شكل العراق 57 %من صادراته إلى الهند والصين، في حين 68.8% من وارداته من الإمارات وتركيا والصين وهذا لا يتوافق مع أي تجارة بين الدول وغير متوازن على الإطلاق. على سبيل المثال، قد تكون التبادلات بين العراق وإيران عاملا رئيسيا في انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار في الاسواق، لأن التجارة بين العراق وإيران تصل إلى نحو 10 مليارات دولار بدون الوقود وفقا لكل المقاييس، لا ينبغي لطهران أن تتلقى الدولار الأمريكي، اذا كيف التعامل التجاري بين العراق وايران يتم؟ والذي يبلغ حجمه سنويا 10 مليار دولار وكيف يتم الدفع مقابل البضائع المستوردة؟
على سبيل المثال، صدرت إيران بضائع بقيمة 8.95 مليار دولار واستوردت بضائع بقيمة 57.4 مليون دولار فقط من العراق (2018)
بحسب اجرائات البنك المركزي العراقي والحكومة العراقية يتم الان التعامل التجاري مع الدول الشريكة الرئيسية للعراق وهي ايران والصين والامارات بعملاتهم، لكن تركيا التي هي ثاني شريك للعراق وفي عام 2021 كان استيراد العراق منها بقيمة 11.1 مليار دولار لا يتم التعامل معها بالليرة التركية،لماذا؟ ليس معلوم! فاذا كانت الليرة التركية سعرها منخفض وغير مستقر الوضع اسوأ عند التومان!
الوجه الاخر لهذا الاختلاف متعلق تماما بطباعة الدينار العراقي وتوفر النقود في الاسواق بدلا من البنوك على سبيل المثال بحسب بيانات البنك المركزي العراقي طباعة الدينار العراقي في العقدين الماضيين لحين 31-10-2023 وصل الى اكثر من 100 تريليون دينار، في حين ان في بداية عام 2004 كان فقط 6 تريليون وفي بداية 2019 44 تريليون دينار. هذا على الرغم من أن الـ 100 تريليون دينار، هناك حوالي 91 تريليون دينار خارج البنوك و8.3 تريليون فقط داخل البنوك التجارية، أنظر الرسم البياني (4)أدناه!
الرسم البياني(4): حجم الدينار المطبوع وتواجده في الاسواق والبنوك التجارية منذ 2004 الى 2023
المصدر:البنك المركزي العراقي CBI
خروج ودخول الدولار من والى العراق
في يوم تشرين الاول لعام 2023 قررت الحكومة العراقية ايقاف جميع التعاملات بالدولار مع مطلع العام المقبل وايقاق استخدام الصراف الالي (ATM). هل هذا القرار مدروس بما فيه الكفاية ام انه مثله مثل قرارات مضت، فاذا وضعنا الشركات الكبيرة والاستثمارية الاجنبية جانبا وتحدثنا فقط عن السفارات والقنصليات والمنظمات العالمية والذين يستقبلون السيولة من الخارج على حساباتهم البنكية وجميع رواتب موظفيهم متعاقد عليها بالدولار الامريكي. ماذا سيفعلو مع مطلع العام القادم؟هل سيلغون جميع التعاقدات بالدولار ويستبدلوها باخرى بالدينار؟ ماذا سيفعلو لرواتب الموظفين الذين لا يحتاجون للدينار العراقي سوى لتلبية احتياجاتهم البسيطة، هل سوف يسلموهم رواتبهم بالدولار ام الدينار؟ من المستفيد من استبدال الدولار بالدينار ومن ثم بالدولار مجددا!
في حال تطبيق القرار مع مطلع العام المقبل بالتأكيد سوف يتسبب بعدم استقرار جديد لسعر الدينار امام الدولار لما أحدثه من إرباك كبير في السوق ومعظم الشركات ومؤسسات القطاع الخاص، لأن موضوع انخفاض قيمة الدولار لا علاقة له بهذه النقطة، بل يتعلق بمنافذ تسرب الدولار إلى الخارج وإذا تمكنت الحكومة من السيطرة عليه فمن المؤكد أنها سترفع قيمة الدينار العراقي مقابل العملات الأخرى، لأن سعر صرف الدينار مقابل الدولار تحدده الحكومة وليس تجار صرف العملات.
بحث المنظمات والشركات الآن عن منافذ مختلفة للطريقة التي تتعامل بها مع العقود المقومة بالدولار مع موظفيها الأمر سهل على الشركات المحلية ولن يكون هناك أي إجراء قانوني صارم، لكن الأمر صعب على الأجانب وهو تكرار العمل من الدولار إلى الدينار بلا فائدة من قبل الذين يدفعون رواتبهم ومرة أخرى بأنفسهم من الدينار إلى الدولار الحد الأدنى لهذه التغييرات يزيد عن 3%، أو حوالي 6% لكل 100 دولار، وهو أمر غير مسبوق في أي مكان آخر.
كما أن الإجراءات المطبقة حاليا في البنوك مختلفة تماما، حيث يستطيع كل مواطن تحويل 13 مليون دينار مباشرة إلى الخارج شهريا ويمكن للسائح العراقي الحصول على 5000 دولار بسعر البنك المركزي يمكن للتجار الحصول على الدولار بسعر البنك المركزي، حتى لو تم إساءة استخدامه ووجدت منافذ مختلفة لاستخدامه من خلال الاستفادة من الفرق الحالي بين سعر السوق وسعر البنك الفيدرالي لكن الجانب الكبير هو إضفاء الشرعية على الأموال داخل وخارج العراق، والتي اعتاد العراق على إرسالها منذ ما يقرب من عقدين من الزمن اعتادت على إرسال الدولارات الأمريكية خارج الإجراءات الرسمية وربطها بالأنظمة المالية العالمية مثل سويفت.
الخاتمة
في الايام المقبلة استقرار سعر الدينار مقابل الدولار سوف يكون صعبا لانه وبالرغم من الزيادة اليومية لعرض الدولار من خلال البنك المركزي العراقي لكن سعر الدينار مقابل الدولار يتنازل والتي هي نقطة معارضة للاجراءات لان العملة المطبوعة وصلت الى اكثر من 100 تريليون، التبادل التجاري مع ايران مستمر والتي لا يجب ان يرسل اليها الدولار الاميركي لكنها تتلقاه، تجار العملة يتلاعبون بالاسعار لان 90% من الدينار العراقي المطبوع موجود في السوق.
نقطة اخرى مهمة لعرض الدولار في العراق في يوم 30 تشرين الاول 2023 المتحدث الرسمي باسم حكومة السوداني اكد ان "اذا استمر عدم استقرار سعر الدينار بهذا الشكل ستضطر الحكومة العراقية ان تبيع الدولار بشكل مباشر للمواطنين"
والذي كان تهديدا مباشرا للذين يشترون الدولار من البنك المركزي ويبيعوه في السوق، التي حددت فيه وزارة المالية الاضرار القائمة بسبب استبدال الدولار بالدينار لحين 31 اب 2023 (1.9-) تريليون دينار والذي كان من المفترض ان يجلب دخلنا للعراق.
وأخيراً، فإن عدم الاستقرار وعودة الدينار إلى ما يقارب السعر الذي حدده البنك المركزي لن يتحقق بالتعامل بالدولار والدينار داخليا، بل بمنع تهريب الدولارات إلى خارج البلاد. هذه الخطوات من العراق لالزام الشركات والمؤسسات الخاصة وحتى بعض المؤسسات العامة للتعامل بالدينار لن يكون له تأثير كبير، لان المشكلة الرئيسية في مكان اخر وليست في تعامل تلك الشركات والمؤسسات بالدولار هذا مع ان العالم الان يذهب نحو انهاء التعامل عن طريق النقد لكن العراق لتوه يعود الى توزيع الرواتب عن طريق الشبابيك مثل الذي حصل في شركة عالمية تعمل في اقليم كوردستان بدلا من تحويل اموال الموظفين الى البنك اضطروا الى توزيع الرواتب في غرفة المحاسبة داخل الشركة!
والآن صحيح أنه أصبح من السهل تحويل الدولارات بسعر 130 ألف دينار بأي طريقة ومن خلال حساب بنكي ويتم إنجاز العمل في أقل من ساعة، كل هذا سيجعل الدولار يخرج أكثر إلى الخارج وأقل إلى العراق، لكنه هل سيكون قانونيا وسيعرف أين ولماذا تم نقل الدولار؟
المصادر
Economic Freedom of the World in 2021 - Cato Institute
Iraq (IRQ) and Iran (IRN) Trade
Central Bank of Iraq. (n.d.). Monetary Sector: Currency. Central Bank of Iraq. https://cbiraq.org/SubCategoriesTable.aspx?SubCatID=93