توزيع الثروة النفطية في العراق؛ إنتاج عدم المساواة واستيراد السلع
25-09-2025
وفقاً لمؤشر عدم المساواة العالمي، الذي ضم بيانات 110 دولة حول العالم، يُعد العراق من بين أكثر دول العالم عدم مساواة في توزيع الدخل وثروة البلاد بين السكان، بحيث أن نسبة 1% من السكان لديها دخل يزيد ثلاث مرات عن 45% من السكان، وأحد الأسباب الرئيسة لنشوء عدم المساواة هذا هو القطاع العام ويتجلى ذلك بدوره في توزيع الرواتب.
في النصف الأول من العام 2025، تم إنفاق أكثر من 30 تريليون دينار على الرواتب في جميع أنحاء العراق، لكن توزيعها يتسم بتفاوت كبير، بحيث أن الاختلاف داخل مؤسسة تابعة لمجلس النواب أو مجلس الوزراء إلى داخل الوزارات كبير جداً يمكننا القول إنه بلغ ستة أضعاف.
هنا وعلى أساس مؤشر المالية العراقية (2015-2025) الذي أعد على أساس بيانات وزارة المالية والموازنة السنوية للعراق، نقف عند توزيع الرواتب في العراق، ويكون تركيزنا الأساس على الطريقة التي يتغير بها هذا المبلغ من مؤسسة إلى أخرى؟ لماذا يختلف وكيف يؤثر هذا على إنتاج عدم المساواة والاستهلاك في المجتمع؟
وفقاً لأرقام نفقات وزارة المالية للمؤسسات في العراق ضمن الرئاسات الثلاث وجميع الوزارات والمحافظات، فإن الموظفين التابعين لمؤسسة مجلس النواب العراقي إجمالاً والذي يشمل البرلمان، والمؤسسات المستقلة مثل ديوان الرقابة المالية، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هيئة النزاهة الاتحادية، ديوان الرقابة المالية وإلخ، لديهم أفضل وأعلى راتب شهري، وفي المقابل في جميع أنحاء العراق لدى موظفي وزارة النقل أقل راتب شهري.
الآن، من المجموع السنوي لتلك الـ60 تريليون دينار للموظفين، وتلك الـ26 تريليون دينار للرعاية الاجتماعية، يحصل حوالي 14 مليون مواطن في العراق على راتب حكومي رسمي شهرياً، وهذا يشكل حوالي ثلث السكان وأكثر من نصف الذين تتراوح أعمارهم بين 14-64 سنة. إذا لم يكن في هذا التوزيع الشهري لثروة النفط تفاوت واختلاف كبير، فإنه وفقاً لبيانات الأمم المتحدة في العام 2024، نسبة الفقر في الدخل الشهري لم تكن ستبقى 17.5%.
إذا أجرينا تحليلاً إجمالياً لتوزيع الراتب في جميع أنحاء العراق للعام 2023، فإن كل موظف يحصل على 966 ألف دينار عراقي شهرياً، لكن إذا كان الموظف تابعاً لمؤسسات البرلمان فإن راتبه يتجاوز ثلاثة ملايين دينار ووزارة الخارجية يكون 2.6 مليون دينار شهرياً، بينما إذا كان موظف وزارة مثل الزراعة والتربية والنقل فإنه لا يصل إلى 600 ألف شهرياً، وهذا يبين فرصة تجميع الدخل الشهري والسنوي للفرد في العراق.
إذا دققنا بتفصيل أكثر في هذا الاختلاف، فسنرى تصنيفاً كبيراً داخل مؤسسة واحدة أيضاً، فعلى سبيل المثال مجلس النواب العراقي، صحيح أنه في الإطار العام وداخل المؤسسات التابعة لمجلس النواب العراقي يصل دخل الفرد إلى أكثر من 38 مليون دينار سنوياً، لكن إذا كان الموظف في السنة الأولى من التعيين مقابل البرلماني المبتدئ في تلك السنة فإن الاختلاف بينهما ليس أقل من 15 ضعفاً إن لم يكن أكثر.
هذا الاختلاف موجود بين الوزارات أيضاً، فعلى سبيل المثال موظف وزارة الخارجية ووزارة الزراعة يوجد بينهما اختلاف كبير من ناحية الدخل الشهري والسنوي، حيث أن موظف وزارة الخارجية في العراق يحصل سنوياً على أكثر من 30 مليون دينار كمعدل بينما موظف وزارة التربية أو الزراعة يحصل سنوياً على أقل من 6.5 أو 7.1 مليون دينار.
يوجد هذا الاختلاف على مستوى المحافظات أيضاً، فعلى سبيل المثال موظف الدولة في محافظة البصرة يبلغ مجموع راتبه السنوي 6.2 مليون كمعدل، بينما في محافظة المثنى يصل راتب الموظف سنوياً يصل إلى أكثر من 12.6 مليون دينار كما في الرسم البياني أدناه للرئاسات الثلاث، وجميع الوزارات والمحافظات في العراق.
الرسم البياني 1: معدل توزيع الراتب السنوي والشهري حسب المؤسسات في العراق للعام 2023
المصدر: وزارة المالية العراقية، التقرير السنوي للنفقات المالية 2024، موازنة 2023-2025 العراق، 9 أيلول 2025
ملاحظة: متوسط راتب موظفي إقليم كوردستان غير مدرج في الرسم البياني، لأنه لم ينفق أي مبلغ مالي كراتب في العام 2023، أما إذا كان على أساس بيانات نفقات الراتب للعام 2024 فإن الموظف في إقليم كوردستان يحصل على مليون و165 ألف دينار كمعدل وسنوياً حوالي 14 مليون دينار وهو قريب من متوسط المعدل لموظفي العراق.
مصدر دخل هذا التوزيع للأموال الشهرية في العراق على الموظفين يأتي من النفط، حيث أنه بعد عشر سنوات (2015-2025) انخفض الدخل غير النفطي بمقدار 1.3 تريليون دينار بدلاً من أن يزيد، فقد زاد خلال تلك الفترة نمو الناتج المحلي الإجمالي واستيراد السلع ودخل الفرد وعدد السكان ولم يقل، فعلى سبيل المثال نفقات رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية زادت من 44 تريليون دينار إلى 86.7 تريليون دينار سنوياً.
مجموع نفقات التشغيل والاستثمار للأشهر الستة الماضية في العراق كان 56 تريليون دينار والسنة الماضية 150 تريليون دينار، لكن بسبب أن هذه النفقات سواء أكانت سنوية أم شهرية فإن نسبة 73% إلى 95% تذهب للتشغيل والرواتب وفي أفضل السنوات كانت النسبة التي ذهبت للاستثمار في القطاعات المختلفة 16%، ولهذا أصبح العراق بلداً معتمداً كلياً على استيراد السلع وضعيفاً في تصدير السلع إلى الخارج بل وحتى في تأمين احتياجاته المحلية.
هذه اللامساواة في توزيع ثروة النفط على جميع أنحاء العراق أصبحت سبباً في خلق اقتصاد بسيط وأقل تعقيداً، وحسب المؤشر الاقتصادي العالمي ومؤشر هارفارد لاقتصاد البلاد، كلما كان الاقتصاد أقل تعقيداً وأبسط كان ضعيفاً جداً في مواجهة التغييرات الاقتصادية والعكس صحيح أيضاً.
فعلى سبيل المثال وفقاً لبيانات OEC للاستيراد والتصدير للسلع بين البلدان، تم في العام 2023 استيراد سلع بقيمة 70 مليار دولار للعراق، 50 مليار دولار منها من ثلاث دول، هي على التوالي 22.6 من الإمارات، 12.8 من تركيا و14.3 من الصين.
كذلك، لم يكن هذا استيراداً لمواد خام للمصانع ولا لإعادة إنتاج السلع للداخل والخارج بل تم استيراد المنتجات النفطية مثل البنزين السوبر وزيوت السيارات بقيمة 6.07 مليار دولار، واستيراد الهواتف المحمولة بقيمة 4.45 مليار دولار، والسيارات بقيمة 4.4 مليار دولار وأيضاً 727 مليون دولار للشاحنات، و645 مليون دولار لقطع غيار السيارات في تلك السنة.
من ناحية الكماليات مثل الحلي والذهب والفضة فقد استورد العراق في تلك السنة ما قيمته 4.7 مليار دولار، ومن المنتجات الغذائية استورد ما قيمته 1.36 مليار دولار من الرز، واستورد شاياً بقيمة 271 مليون دولار من مختلف دول العالم، وما يستورد من السجائر ومنتجات التبغ بجميع أنواعها سنوياً يصل إلى حوالي مليار دولار لجميع أنحاء العراق، في المقابل وفي العام 2023 صدر العراق النفط والمنتجات النفطية بقيمة 102 مليار دولار ولا يظهر أي شيء آخر في خريطة تجارة التصدير العراقية شيء آخر يستحق الذكر هنا.
وفقاً لتقرير الاستيراد والتصدير للسلع في العام 2023، يستورد العراق سنوياً أكثر من 1100 سلعة ومادة ومنتج متنوع، بينما لا يصل ما يصدره إلى 100 منتج مختلف إذا دققنا في التنوع في صادراته للخارج.
إذا أجرينا مقارنة عامة بين النفقات في العراق والمبلغ المنفق على رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية ومبالغ رؤوس الأموال التي ذهبت لاستيراد السلع من الخارج تتبين لنا صورة أكثر وضوحاً، فعلى سبيل المثال في السنوات (2015-2025) كان مجموع نفقات التشغيل والاستثمار في العراق 764 مليار دولار، ذهب 636 مليار دولار للتشغيل و128 مليار دولار للاستثمار. ما أُنفق كرواتب كان 454 مليار دولار، بينما استورد مواطنو العراق سلعاً متنوعة بقيمة حوالي 505 مليار دولار من الخارج، وكان أكثرها للسيارات والهواتف المحمولة والحلي والذهب والرز والشاي ومنتجات التبغ.
هناك نقطة أخرى لافتة بخصوص الاستثمار في العراق، إذا نظرنا إلى البيانات نرى أنه من مجموع 128 مليار دولار للاستثمار ذهب 77 مليار دولار لوزارة النفط وليس لوزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والبيئة والزراعة والموارد المائية والشباب.
ختاماً، إذا كان أكبر عدم مساواة من ناحية الدخل، مصدره الثروة والدخل الشهري للفرد الآتي من الدولة وكان وضع موظفي الحكومة بهذا الشكل! فكيف تكون رواتب موظفي شركات القطاع الخاص والعمال بالأجر اليومي والشهري في الأسواق والمرافق الخدمية؟ في الجزء القادم من حديثنا عن مؤشر المالية العراقية سنقف على العلاقات الاقتصادية بين أربيل وبغداد.