تنخفض قيمة عملات الدول المجاورة للعراق بشكل ملفت يوما بعد يوم. خلال السنة الجارية فقط خسر التومان الإيراني 20% والليرة التركية 38% والليرة السورية وبالرغم من التصاعدات التي شهدتها بعد سقوط الاسد لا انها خسرت 50% من قيمتها امام الدولار الاميركي. هذه التغيرات السريعة في قيمة عملات الدول المجاورة سيكون لها تأثير مباشر على الدينار العراقي بطريقتين، الأولى هي عن طريق التجارة مع تلك الدول التي تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار، والثانية بسبب تحويل الاموال من العراق الى الخارج بدون رقابة المؤسسات الرسمية، حيث ان قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار في هذا السوق اقل بنسبة 15% من قيمته في البنك المركزي.
اذا كان سبب قيمة التومان الإيراني هو بسبب التغيرات الخارجية وحصار اميركا والدول الاوروبية عليها، وانخفاض قيمة الليرة التركية يعود إلى اتساع العجز النقدي واختلال الموازنة ومواقف حزب العدالة والتنمية من التغيرات في المنطقة، وعدم استقرار وانهيار الليرة السورية بسبب استمرار الحرب، الحصار وعدم الوثوق بدولة الجولاني الجديدة، فما هو سبب عدم استقرار العملة العراقية ولحد الآن يختلف سعر 100 دولار اميركي في السوق بعشرين الف دينار عن سعر البنك المركزي.
من المقرر أن يغير العراق إصدار الدولارات النقدية مطلع العام المقبل، بحيث تقوم عدة بنوك بدلا من البنك المركزي بإصدار دولارات نقدية يوميا للسياح المسافرين إلى الخارج عبر المطارات، هذا على الرغم من أن تطبيق هذه الطريقة أصبح الآن في مطارات إقليم كوردستان مقارنة بمطارات وسط وجنوب العراق مختلف جدا.
وفي ذلك السياق البنك التجاري العراقي الذي يعطي السياح الدولار في مطارات السليمانية واربيل، نادرا ما تصرف الدولار بسعر صرف البنك المركزي للمسافرين من تلك المطارات. في المقابل، يتم دفع مئات الدولارات يومياً من المطارات الأخرى، على الرغم من السيولة النقدية اليومية التي يعلنها البنك المركزي للسياح، لأن جميع المعاملات الدولارية الأخرى يجب أن تتم عبر البنوك والائتمان.
وأحدث البنك المركزي العراقي تغييرا كبيرا في إصدار الدولارات نقدا والحوالات للعام الحالي مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ إجمالي الحوالات هذا العام أكثر من 58 مليار دولار والنقد 3.8 مليار دولار فقط، بينما بلغ إجمالي الحوالات العام الماضي 37.6 مليار دولار والنقد 9.1 مليار دولار، رغم أن النقد هذا العام لم يبلغ نصف العام الماضي، لكن الفرق بين سعر السوق والبنك المركزي لكل 100 دولار هو نفس العام الماضي.
النقطة الأخرى هي أن قيمة جميع العملات، بما في ذلك الدولار الأميركي، متقلبة هذا العام، حيث ان الاميركي الذي تتم من خلاله التجارات الدولية انخفض سعره مقابل عدة عملات وارتفعت مقابل اخرى. والآن بسبب السياسات الأميركية المستقبلية، تشير توقعات سيتي بنك وجيه بي مورجان ودويتشه بنك الالماني إلى قوة الدولار الأميركي وعدم اليقين بشأن قيمة العملات مقابل الدولار، خاصة بسبب احتمال زيادة الغرامات الجمركية والتضخم وارتفاع النمو الاقتصادي في البلاد في عام 2025.
استناداً إلى بيانات البنك المركزي العراقي وتوقعات المؤسسات الاقتصادية العالمية، سنركز على مستقبل الدينار العراقي والتومان الإيراني والليرة التركية والليرة السورية مقابل الدولار الأميركي في عام 2025.
هل سينخفض سعر الدينار العراقي عام 2025؟
وفي عام 2024، ارتفعت كمية عرض الحوالات بنسبة 32% مقارنة بالعام الماضي، بينما انخفضت نسبة عرض النقد 56%.الأمر المثير للتساؤل هو أن الدولار لم ينخفض بنفس معدل العرض النقدي في السوق حتى ان سعره لم يشهد تغييرا.
خلال هذا العام مجموع عرض الحوالات والنقد من قبل البنك المركزي وصل الى 62 مليار دولار، حيث ان الحوالات وصلت الى اكثر من 58 مليار دولار والنقد انخفض الى 3.8 مليار دولار مثل ما هو موضح في الرسم البياني(1).
الرسم البياني(1): عرض الدولار كحوالات وكاش في 2023 و 2024.
المصدر: البنك المركزي العراقي 29 كانون الأول 2024
ملاحظة: بيانات عرض الدولار للبنك المركزي لغاية 26 كانون الأول 2024
بالاستناد على بيانات البنك المركزي العراقي، الشيء الآخر المثير للاهتمام هو كمية النقود المطبوعة وعدم الإستقرار في الكمية ، ففي 31 تشرين الأول 2024، بلغ مجموع الأموال التي طبعها البنك المركزي 104.1 تريليون دينار، لكنها انخفضت في 30 تشرين الثاني 2024 إلى 101.3 تريليون دينار! [i]10% من هذه النسبة فقط هي داخل البنوك اما 90% المتبفية فهي خارج البنوك لذلك فإن النسبة التي هي خارج البنوك هي من تتحكم بسعر صرف الدولار بدلا كمية عرض البنك المركزي العراقي.
مستقبل التومان الإيراني والليرة التركية والليرة السورية عام 2025
خسر التومان الإيراني منذ عام 2018 حتى الآن ما يقارب 90% من قيمته مقابل الدولار، حيث ان يوم 18 الكانون الثاني 2024 وصلت قيمة الدولار في الاسواق الى 777 الف تومان، اي ان 100 دولار تعدت 7.7 مليون تومان وهي اقل نسبة للتومان مقابل الدولار حتى الآن، ومن المتوقع ان يشهد التومان تغيرات اخرى بعد تسلم ترامب السلطة.
كان من المتوقع ان تخسر الليرة التركية ثلث قيمتها مقابل الدولار في 2024. ولا تزال الليرة التركية تنخفض مقابل الدولار، حيث وصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق في الأيام الأخيرة عندما وصلت قيمة الدولار الأمريكي إلى أكثر من 35 ليرة تركية.
خسرت الليرة التركية مثلها مثل التومان الإيراني قيمتها مقابل الدولار 90% خلال 5 سنوات مضت، حيث ان في عام 2018 كان الدولار الواحد 4.5 ليرة تركية واحدى الأسباب لذلك كانت الاتجاه المتزايد للعجز، وصل العجز الحكومي إلى 16.6 مليار ليرة في نهاية تشرين الثاني 2024، فيما بلغ العجز النقدي 62.2 مليار ليرة، ناهيك عن استمرار التوقعات للتضخم المالي في تركيا.
وفقاً لبيانات جهاز الأمم المتحدة، يعيش 90% من السكان في سوريا تحت خط الفقر. وقد ترك بشار الأسد بعد هروبه وسقوط نظامه اقتصاداً يحتاج إلى عشرات السنين ومليارات الدولارات للتعافي، ويأتي هذا في وقت تواجه فيه العملة السورية تغييراً مهماً، حيث تتطلب إعادة طباعة العملة بسبب الحاجة لإزالة صورة بشار الأسد وفقدان قيمتها، إذ فقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية الأزمة السورية في 2011.
وقبل هروب الأسد، وصل سعر الدولار الأمريكي الواحد إلى 30 ألف ليرة سورية، في حين كان الدولار كان يعادل 50 ليرة سورية قبل الأزمة. أما الآن، فيتم تداول الدولار الأميركي في السوق السورية بين 10 و15 ألف ليرة سورية، مما يعني أن 100 دولار تعادل مليون أو مليون ونصف ليرة سورية. ومع ذلك، تحتفظ الليرة السورية بقيمة أعلى في أسواق العراق وإقليم كوردستان مما هي عليه داخل سوريا.
لا يزال من غير الواضح كيف ستكون العملة السورية الجديدة التي عرضت تركيا المساعدة في طباعتها مقابل الدولار في العام المقبل، وذلك بسبب عدم معرفة احتياطي البنك من العملة والكمية التي سيتم طباعتها. ولهذا السبب، يبقى مصير الليرة السورية غير واضح ولا يُعرف ما ستكون قيمتها مقابل الدولار الأميركي في عام 2025.
عدم استقرار الدولار وتأثيره على عملات البلدان الأخرى في 2025
الدولار الأمريكي، عملة التداول العالمية التي تسيطر على ما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمي، شهد تقلبات ملحوظة خلال عام 2024 نتيجة سياسات البنك الفيدرالي الأميركي وقد أظهر الدولار تراجعاً أمام بعض العملات العالمية، في حين سجل ارتفاعات متفاوتة أمام عملات عدد من دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها الليرة التركية والتومان الإيراني والليرة السورية وتأتي هذه التحركات في سعر صرف الدولار كنتيجة مباشرة للسياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي الأميركي، والتي تؤثر بشكل كبير على أسواق العملات العالمية نظراً للدور المحوري الذي يلعبه الدولار في التجارة والمعاملات الدولية.
تشير بيانات مؤسسة "بين بوينت" للتحليلات المالية إلى تراجع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل عدد من العملات العالمية الرئيسية، حيث انخفض بنسبة 11.5% مقابل البات التايلندي، و8.1% مقابل الجنيه الإسترليني، و6% مقابل الكرونة السويدية، و4.4% مقابل اليورو الأوروبي،وفي المقابل، سجل الدولار ارتفاعاً ملحوظاً أمام عدد من العملات الأخرى، حيث زاد بنسبة 24.8% مقابل الليرة التركية، و8.3% مقابل الريال البرازيلي، و1.1% مقابل الروبية الهندية.
وتعكس هذه التحركات في أسعار الصرف تغيرات مهمة في الأسواق المالية العالمية، مع تباين أداء الدولار الأميركي بين الارتفاع والانخفاض مقابل مختلف العملات العالمية.
أثارت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية موجة من التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد العالمي في عام 2025، خاصة مع فوز دونالد ترامب الذي سيتولى إدارة أكبر اقتصاد في العالم،وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة تستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمي تبلغ 30.3 تريليون دولار من إجمالي 115 تريليون دولار، مما يجعل سياساتها الاقتصادية ذات تأثير كبير على الأسواق العالمية.وقد شهد عام 2024 تحديات اقتصادية كبيرة شملت ارتفاع معدلات التضخم، وتقلبات في الأسواق المالية، وتغيرات في السياسات النقدية للبنوك المركزية، إضافة إلى التطورات في مجال العملات الرقمية. ويتوقع المحللون أن تتضح معالم السياسة الاقتصادية الأميركية الجديدة بعد أداء الرئيس المنتخب ترامب اليمين الدستورية في كانون الثاني 2025، حيث ستؤثر قراراته على مستقبل التجارة العالمية وأسواق المال وأسعار صرف العملات وسيراقب المستثمرون عن كثب التوجهات الجديدة للإدارة الأميركية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات التجارية مع الصين، والسياسة النقدية، والإنفاق الحكومي، وهي عوامل ستحدد إلى حد كبير مسار الاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة.
النهاية
التغيرات في قيمة العملة أو انخفاض قيمتها في أي دولة له جانبان رئيسيان، الجانب الأول يتمثل في تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات وجذب السياح الأجانب إلى البلادأما الجانب الثاني فيتجلى في انخفاض القدرة على استيراد السلع والخدمات الخارجية بسبب ارتفاع أسعارها، وتراجع قدرة المصانع المحلية التي تعتمد على المواد والخدمات المستوردة على الإنتاج، إضافة إلى تقلص قدرة المواطنين على السفر إلى الخارج.
من المرجح أن تؤثر سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة والتغيرات الجيوسياسية العام المقبل ليس فقط على العملات الإقليمية كالتومان الإيراني والليرة التركية والسورية، بل على العملات العالمية أيضاً. كما أن الدينار العراقي، بالإضافة إلى تلك العوامل، يتأثر بتدفق الدولار الأمريكي وندرته، رغم التغيرات في النظام المصرفي والتحول الرقمي وتحويل الأموال عبر نظام سويفت المصرفي وتقليل النقد وزيادة الحوالات.
في النهاية، إذا شهد الدينار العراقي تقلبات في سعر صرفه مقابل الدولار الأمريكي مع بداية العام المقبل، فإن ذلك سيكون مرتبطاً بشكل أكبر بطلب التجار والمتعاملين في سوق العملات في العراق وإقليم كردستان، وليس بالتغيرات في توفير النقد من البنك المركزي للمصارففلو كانت الأسواق مرتبطة فعلياً بالسيولة النقدية التي يوفرها البنك المركزي، لكان من المفترض أن ينخفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار هذا العام بما يتناسب مع انخفاض حجم النقد المتداول.