تحليل

صرف مستحقات اقليم كوردستان من قبل بغداد (من صفر الى صفر)

22-11-2023


يوم 14 نوفمبر 2023 اعلنت وزارة المالية العراقية التقرير المالي للنفقات والايرادات للتسعة اشهر التي مضت، بحسب التقرير خلال التسعة اشهر لم يصرف اي دينار لاقليم كوردستان، وما بعث كان قرضا ومن البنوك. بحسب تقرير وزارة المالية، مجموع المصروفات في التسعة اشهر الماضية 78.25 تريليون دينار ومجموع الايرادات النفطية وغير النفطية كانت 95.84 تريليون دينار، اي ايرادات العراق كانت اكثر بمبلغ 17.59 تريليون دينار من نفقاته في حين ان بحسب مشروع الموازنة لعام 2023 كان من المفترض ان يقترض لملأ مصاريف هذه السنة.

وفي الواقع، فإن هذا الفائض في الإيرادات العراقية في هذه الأشهر التسعة يرتبط بعدة نقاط أساسية مثل: تأخر الموافقة على الموازنة، ارتفاع سعر النفط، تأخر تمويل المشاريع وعلى رأس جميع ذلك عدم ارسال حصة اقليم كوردستان من الموازنة. فمثلا اذا كان حسب الموازنة كان من المفترض صرف فوق 10 تريليون دينار وليس 4.7 تريليون على شكل قرض. اختلاف اخر بالنسبة لنفقات الاقليم من قبل وزارة المالية العراقية مرتبط بالحكومات اي ولايات رؤساء الوزراء في العراق،فمثلا خلال الخمسة اعوام الماضية شاهدت حصة الاقليم ارتفاع وانخفاض كبير والذي لا علاقة له على الاطلاق بكمية النفط المرسل من قيل كوردستان.

فمثلا في عام 2019 في عهد عادل عبد المهدي خلال تسعة اشهر ارسلت بغداد مبلغ 4.08 تريليون دينار لاقليم كوردستان، لكن هذه السنة مثل عهد عادل عبد المهدي في 2016 و 2017  لم يتم صرف اي مبلغ لاقليم كوردستان. لكن اختلاف السنة مع تلك السنتين هو ان يتم صرف المال من قبل بغداد على شكل قرض وذلك بعد ايقاف تصدير نفط اقليم كوردستان في 25 اذار 2023.

ايضا اظهرت ارقام الثمانية اعوام الماضية ان نفقات العراق تزداد يوما بعد يوم. بالأخص النفقات التشغيلية وداخل التشغيلية رواتب الموظفين والتي زادت فقط خلال 8 اعوام اكثر من 10 تريليون دينار. في حين ان في 2016 كانت فقط شهريا 20 تريليون دينار ولكن الان وصلت لاكثر من 30 تريليون دينار! هذا وبالرغم من انخفاض او عدم وجود اي خطة لتزويد نفقات الاستثمار في هذه المدة.

هنا ومن خلال جمع البيانات وعرضها نقف عند واردات ونفقات العراق خلال التسعة اشهر الاولى للسنة الماضية ونعرض التغيرات. والتركيز الرئيسي هو على النفقات وليس القرض لاقليم كوردستان من قبل وزارة المالية الاتحادية.

الايرادات النفطية وغير النفطية للتسعة اشهر الاولى للثمانية اعوام الماضية

بحسب البيانات المعلنة من قبل وزارة المالية العراقية، خلال الثمانية اعوام الماضية قلت الايرادات غير النفطية يوما بعد يوم ولم تكن مرتبطة بانخفاض وارتفاع مجموع الايرادات.

ايضا لم تكن مرتبطة الى حد ما بالايرادات النفطية. فمثلا في عام 2016 المجموع العام للواردات كان 35.7 تريليون دينار، 29.6 تريليون دينار ايرادات نفطية و 6.06 منها ايرادات غير النفطية. وكنسبة شكلت الايرادات النفطية 83% والايرادات غير النفطية 17% لكن في عام 2023 وخلال التسعة اشهر الاولى مجموع الايرادات كان  95.84 تريليون دينار، 91.46 تريليون دينار ايرادات نفطية و 4.38 دينار ايرادات غير النفطية اي ان الايرادات النفطية كانت 95% وغير النفطية 5%. في هذه الفترة الايرادات غير النفطية بالمقارنة مع النفطية انخفضت بنسبة 12% وبالدينار العراقي انخفضت من 6 تريليون الى 4.3 تريليون دينار!

ومن ناحية اخرى هذا الانخفاض في الايرادات غير النفطية مؤشر واضح على عدم جمع الايرادات غير النفطية مثل الضرائب والرسومات وايرادات النقاط الحدودية واشتراك القطاع العام مثل المستشفيات والمرور والى اخره.

ايضا كما هو موضح في الرسم البياني الثاني الى حد ما الايرادات غير النفطية ليست متعلقة بالايرادات النفطية، فمثلا في 2020 الايرادات النفطية كانت 35.31 تريليون دينار في حين ان في 2018 كانت الايرادات النفطية 69.5 تريليون دينار، لكن بالمقابل الايرادات غير النفطية في 2020 كانت 3.12 تريليون دينار لكن في 2018 كانت 7.33 تريليون دينار. وكنسبة في 2018 كانت الايرادات غير النفطية 10% من مجموع الايرادات لكن الايرادات غير النفطية انخفضت في عام 2020 الى 8%.

ايضا خلال الثمانية سنوات الماضية كانت واردات العراق قد شهدت تصاعدا وتنازلا كبيرا في حين ان في العالم ومن الناحية الاقتصادية كان من المفترض ان تزيد الواردات عاما بعد عام لكن في العراق في الثلاثة ارباع الاولى من هذه السنة تقريبا ثلاثة اضعاف عام 2016 في حين ان في 2023 كان 95.84 تريليون دينار بالمقابل في 2016 كانت 35.72 تريليون دينار فقط!

الرسم البياني 1: نسبة مشاركة الايرادات النفطية وغير النفطية في 2016-2023 في العراق في التسعة اشهر الاولى من كل سنة

 المصدر: الموقع الرسمي لوزارة المالية العراقية، قسم التقارير الشهرية 14-11-2023

الرسم البياني 2: الايرادات النفطية وغير النفطية في التسعة اشهر الاولى من عام 2016 الى 2023 في العراق

 المصدر:الموقع الرسمي لوزارة المالية العراقية،قسم التقارير الشهرية 14-11-2023

نفقات التسعة اشهر الاولى من السنة (2016 الى 2023) في العراق

خلال الخمسة اشهر الماضية زادت نفقات العراق بنسبة 73% في حين ان في 2016 مجموع النفقات للتسعة اشهر الاولى كانت 45.19 تريليون دينار، ارتفعت هذه النسبة الى 78.25 تريليون دينار في التسعة اشهر الاولى من السنة الجارية.

في حين ان هذه الزيادة لم تكن للاستثمار، لان في عام 2016 عندما كان مجموع النفقات 45.19 تريليون دينار كانت النفقات التشغيلية 36.7 تريليون دينار ونفقات الاستثمار 8.4 تريليون دينار، لكن في عام 2023 تصل مجموع النفقات الى 78.2 تريليون دينار، النفقات التشغيلية تصل الى 69.8 تريليون دينار لكن الاستثمار لازال 8.4 تريليون دينار مثل ما هو موضح في الرسم البياني الثالث.

في الواقع هذه الزيادة في النفقات متعلقة بنفقات الرواتب، فمثلا في عام 2016 ومن ضمن النفقات التشغيلية نفقات رواتب الموظفين وتعويضاتهم كانت 23.33 تريليون دينار. لكن في عام 2023 ترتفع هذه النسبة الى 33.49 تريليون دينار، اي في مدة 8 سنوات الماضية نفقات العراق لرواتب الموظفين ازدادت بنسبة 43% اي اكثر من 10 تريليون دينار.

النقطة الاخرى هي اختلافات هذه السنة والسنة الماضية في التسعة اشهر الاولى بالرغم من انخفاض الايرادات لكن النفقات هي ذاتها. مثلا في عام 2022 حينما كان مجموع الايرادات فوق 122 تريليون دينار كانت النفقات 78.75 تريليون دينار، لكن هذه السنة مجموع الايرادات ارتفعت الى 95.8 تريليون دينار في حين ان مجموع النفقات كانت  78.25 تريليون دينار.

هذه الزيادة في النفقات في العراق لا علاقة لها بالاستثمار في مجالات الصناعة، الزراعة والى اخره، فمثلا نفقات الاستثمار في 2017 كانت 10.3 تريليون دينار لكن في 2023 قلت الى 8.43 تريليون دينار، اي قلت بمبلغ 1.87 تريليون دينار في حين ان في 2017 مجموع النفقات كانت 78.25 تريليون دينار.

الرسم البياني 3: النفقات في التسعة اشهر الاولى لعام 2016-2023

 المصدر:الموقع الرسمي لوزارة المالية العراقية، قسم التقارير الشهرية 14-11-2023

ملاحظة: رواتب الموظفين هي ضمن النفقات التشغيلية وضعت فقط لاظهار الفرق بين زيادة رواتب موظفين العراق.

صرف المستحقات لاقليم كوردستان من قبل بغداد من صفر الى صفر

من دون العودة الى عام 2003 بل فقط بالعودة الى 8 سنوات مضت والتي بياناتها متوفرة لدى وزارة المالية العراقية وقد تم نشرها، الحكومة الاتحادية في عام 2016 خلال التسعة اشهر الاولى من تلك السنة لم تصرف اي مبلغ لاقليم كوردستان. وهذا ما حدث في السنة الجارية ايضا. كما ورد في الرسم البياني الرابع. بالنسبة لحصة اقليم كوردستان من مجموع ايرادات العراق، بحسب اخر قانون للموازنة 16.6 تريليون دينار اي 12.67 من مجموع الميزانية العراقية، وذلك بعد طرح النفقات السيادية والحاكمة وتطوير الاقاليم.

في الواقع اذا لم نأخذ المقارنة الى حصة كوردستان من مجموع ميزانية العراق وكيفية صرف حصة الاقليم من مجموع ايرادات العراق، فستظهر لنا حقيقة واضحة وهي ان خلال 8 سنوات مضت، اذا كان قد تم تصدير النفط او لم يتم المستحقات التي قد تم صرفها من قبل بغداد لكوردستان قلت يوم بعد يوم. ايضا من ناحية ولايات رؤساء الوزراء بحسب البيانات في عام 2019 في عهد رئيس الوزراء ان ذاك عادل عبد المهدي كان الافضل في التسعة اشهر الاولى صرف مبلغ 4.08 تريليون دينار بالرغم من تصدير النفط، لكن في عهد السوداني(صفر) اي لم يتم صرف اي مبلغ سوى القرض لاقليم كوردستان.

في حين ان في هذه السنة (1-1-2023 الى 30-6-2023) المبلغ الذي تم صرفه لاقليم كوردستان والمقسم الى 7 اجزاء كان 2.59 تريليون دينار! والذي بحسب تقرير وزارة المالية في اقليم كوردستان الذي تم تقديمه لمجلس النواب العراقي 1.6 تريليون دينار كقرض و 998 مليار كحصة اقليم كوردستان، لكن في تقرير وزارة المالية الاتحادية لم يتم الاشارة الى اي مبلغ قد تم صرفه لاقليم كوردستان كنفقات تشغيلية ونفقات استثمار في التسعة اشهر الاولى من هذه السنة. ايضا يوم 17 ايلول عام 2023 قرر مجلس الوزراء العراقي صرف 2.1 تريليون دينار كقرض للاشهر (9-10-11) والذي قد تم صرف دفعتين منه وبقي مبلغ 700 مليار دينار.

الرسم البياني 4:صرف المستحقات من قبل وزارة المالية العراقية لاقليم كوردستان في التسعة اشهر الاولى لعام 2016-2023

المصدر :الموقع الرسمي لوزارة المالية العراقية، قسم التقارير الشهرية 14-11-2023

الخاتمة

من الممكن ان تكون الايرادات النفطية العراقية هذه السنة تصل الى 100 مليار دولار، اي 130 تريليون دينار حسب السعر الرسمي للبنك الاتحادي. اذا كانت الايرادات غير النفطية مثل السنة الماضية ستكون 5 تريليون دينار، اي ان مجموع الايرادات تصل الى 135 تريليون دينار. اذا استمرت النفقات ايضا هذه الشهرين مثل العام الماضي، مثل ما كان في التسعة اشهر الاولى من هذه السنة متقاربة من التسعة اشهر الاولى للسنة الماضية اذا مجموع النفقات ستصل الى 116 تريليون دينار، وإذا تم إنفاق ديون حكومة إقليم كردستان البالغة حاليا نحو 4.7 تريليون دينار، فإن إجمالي نفقات العراق في عام 2023 سيبلغ في المتوسط ​​120.7 تريليون دينار، أي أقل بمقدار 79 تريليون دينار من موازنة 2023 وعائدات النفط التي تزيد عن 14.3 تريليون دينار على نسبة النفقات.

وفي الواقع، ما تظهره الارقام هو أنه بدلا من زيادة الإيرادات غير النفطية سنة بعد سنة وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، انخفضت الإيرادات غير النفطية من 17% إلى 5% من إجمالي الإيرادات خلال السنوات الثماني الماضية،أي أن عائدات النفط ارتفعت من 83% إلى 95% كإيرادات إجمالية للدولة، وتتجلى مأساة ذلك في انخفاض أسعار النفط وعصر الطاقة المتجددة.

نقطة أخرى مهمة تسمى حرق ثروات الدولة في الاقتصاد وتخرج البلاد من الإنتاج وتؤدي إلى الانهيار الاقتصادي وانهيار نظامها الاقتصادي وهي زيادة موظفي القطاع العام وقلة نشاط القطاع الخاص،وتظهر أرقام الأشهر التسعة الماضية من السنوات الثماني الماضية أن الإنفاق زاد على أساس سنوي وقد زادت بأكثر من 10 تريليون دينار خلال هذه الفترة.

وأخيراً، ونتيجة للزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي ونائبه لشؤون الطاقة، قد لا ترغب بغداد في إرسال دولارات أو دنانير إلى إقليم كردستان كما فعلت في السنوات الأولى من حكمها،لذلك، هناك حديث عن إعادة تصدير النفط من إقليم كوردستان، لأنه تبين أنه حتى لو لم يصدر إقليم كوردستان النفط فإن بغداد الجديدة ليست مستعدة لإرسال حصة إقليم كوردستان كما في الموازنة. منذ عام 2014 والمبلغ غير الممول يساوي أو يقترب من المبلغ الذي يعتبر حصة إقليم كردستان من الموازنة، وفي عامي 2016 و2017 لم ينفق أي أموال، وهذا العام لم يرسل أي شيء ويتم فقط ارسال مبالغ على اساس قروض مع شروط.

Share this Post

تحليل