تحليل

عودة BP البريطانية الى 10 مليار برميل من نفط كركوك بعد قرن

15-01-2025


مقدمة

في إطار زيارة الوفد العراقي إلى لندن برئاسة محمد شياع السوداني، أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي مساء 14 كانون الثاني 2025، وتحت إشراف وزير النفط العراقي، عن إجراء مراسم توقيع مذكرة تفاهم بين شركة BP وشركة نفط الشمال لتنفيذ تقييم إمكانية تطوير أربعة حقول نفطية في كركوك.

في الواقع، تمتد العلاقة بين نفط كركوك وشركة بريتش بتروليوم (BP) لأكثر من 100 عام، وتعود إلى المراحل الأولى لاكتشاف النفط في العراق والشرق الأوسط بأكمله. في ذلك الوقت، تمكنت الشركة خلال ثلاثة أشهر من اكتشاف احتياطي يقدر بـ 12 مليار برميل من النفط في حقل بابا كركر، مما جعله أحد أكبر الحقول النفطية آنذاك وحتى الآن في قطاع الطاقة. 

منذ بدء إنتاج النفط في عام 1934 وحتى الآن، وبدون أي تطوير أو تحديث لتكنولوجيا الإنتاج في حقول كركوك النفطية الأربعة المنتجة للنفط، مع الاستثمار في حقلين آخرين، انخفض مستوى احتياطي حقول نفط كركوك من أكثر من 20 مليار إلى 10 مليار برميل نفط، كما انخفض مستوى الإنتاج من مليون برميل نفط يومياً إلى 350 ألف برميل نفط يومياً.

الشركة التي أعلنت عن الاكتشاف وعرّفت الحقل النفطي للعالم قد عادت الآن مجدداً لتحديث المعدات التكنولوجية وتصحيح تدهور احتياطي حقول نفط كركوك ورفع مستوى إنتاج النفط ووقف حرق الغاز المصاحب وإنتاج الغاز لمحطة الكهرباء في تلك المدينة.

كركوك والمناطق الأخرى اعتبرت منذ عام 2003 مناطق متنازع عليها أو مناطق المادة 140 في الدستور العراقي الدائم، لكن بعد مرور عقدين وانتهاء وعد آخر حكومة عراقية بإصدار قانون النفط والغاز في الأشهر الستة الأولى من عملها، والتي مر عليها الآن 3 سنوات وبقي 9 أشهر من عملها، بقيت جميع القضايا المتعلقة بالنفط والغاز في العراق دون حل.

وخارج أهمية الخلافات بين أربيل وبغداد حول هذه القضية، هناك سؤالان مهمان آخران وهما: رؤية العراق لقضية الطاقة (النفط والغاز)، وأهمية احتياطي نفط كركوك والجهود المستمرة لشركة BP للاستثمار في حقول نفط كركوك في عصر صافي الانبعاثات الصفري والانتقال إلى الطاقة المتجددة؟

                     

نفط كركوك؛ بعد قرن ما زال مصدراً لـ10 مليار برميل

تعتبر حقول نفط كركوك من أقدم الحقول النفطية في الشرق الأوسط والعالم، وتم استخراج النفط لأول مرة في هذه المنطقة من كركوك. تتكون حقول نفط كركوك من ستة حقول، تم حتى الآن الاستثمار أو التنقيب في أربعة منها، وبسبب سوء الإدارة منذ البداية وحتى الآن انخفض مستوى احتياطي النفط وإنتاجه بشكل كبير.

في الواقع، يعود تاريخ شركة بريتيش بتروليوم BP في العراق وكركوك إلى بداية اكتشاف النفط في كل العراق، عندما بدأت شركة أنجلو-فارسية في عشرينيات القرن العشرين بالتنقيب وحفر آبار النفط في هذه المنطقة.

منذ بداية عشرينيات القرن العشرين، بدأت شركة النفط التركية (التي تغير اسمها لاحقاً إلى شركة نفط العراق) بالتنقيب وحفرت البئر التجريبي الرابع بالقرب من كركوك وأطلق عليه اسم "بابا گورگور"، الذي يعني "أبو النار". في الواقع، جاء الاسم من النيران التي كانت تشتعل باستمرار على النفط والغاز المتدفق من أراضي كركوك.

خلال ثلاثة أشهر من عمل الشركة، وفي الساعة الثالثة فجراً من 14 أكتوبر 1927، عندما وصل الفريق إلى عمق الحفر، تدفق النفط والغاز. كان تدفق النفط مرتفعاً لدرجة أنه تجاوز برج الحفر بمسافة 42 متراً، ولم يغطِ فقط منطقة الحقل ومحيطه، بل امتد على مساحة 400 دونم، حيث كان يتدفق بمعدل 90 ألف برميل يومياً حتى تم السيطرة عليه(Ellen R. Wald، 2018).

ووفقاً لنفس المصدر، في العام التالي (1928)، حفرت الشركة آباراً أخرى وكشفت عن وجود حقل نفطي يمتد لمسافة 48 كيلومتراً تقريباً تحت طبقة رقيقة من الصخور في منطقة كركوك. وتم لاحقاً تحديد أن هذا الحقل يحتوي وحده على احتياطي يقدر بحوالي 12 مليار برميل من النفط، مما يجعله واحداً من أكبر الحقول النفطية في العالم آنذاك وحتى الآن. ولم يبدأ الإنتاج من الحقل حتى عام 1934.

وفقاً لأحدث بيانات غلوبال إنرجي، بلغ إجمالي احتياطي النفط في حقول كركوك النفطية التي تم استكشافها واستثمارها 8.9 مليار برميل نفط. ومؤخراً، وفقاً لدراسة أجرتها مديرية المخازن وتطوير الحقول في شركة النفط الوطنية العراقية، تم اكتشاف تركيبين جديدين في محافظة كركوك هما غدير وتل علي، يحتويان على 1.3 مليار برميل نفط إجمالاً، وأكثر من 400 مليون برميل من هذين التركيبين الجديدين قابلة للاستثمار من الناحيتين التقنية والاقتصادية.

كما تشير تقارير شركة سومو لتصدير النفط العراقي إلى أن حقول كركوك النفطية ساهمت في نوفمبر 2024 بتصدير 266,715 برميل يومياً من إجمالي صادرات النفط العراقي، وحالياً يتراوح مستوى إنتاج النفط من الحقول الأربعة في كركوك بين 350 ألف إلى 360 ألف برميل نفط يومياً، وهو ما يعتبر ضئيلاً مقارنة باحتياطيها.

منظور بغداد لقضية النفط والغاز؛ دستور العراق الجديد

    مدينة كركوك ذُكرت في الدستورين المؤقت والدائم للعراق كمنطقة متنازع عليها، وكان من المتوقع أن يتم حل هذه القضية في إدارة العراق الجديدة بعد سقوط نظام صدام حسين من خلال استفتاء يصوت فيه سكان المدينة الأصليون على ما إذا كانت هذه المحافظة ستكون تابعة للإقليم الوحيد في الدولة الفيدرالية أو تكون محافظة فيدرالية مباشرة. ولكن بعد ما يقارب عقدين من كتابة حل هذه المشكلة في المادة 58 من الدستور المؤقت والمادة 140 من الدستور الدائم للعراق، لا تزال غير منفذة، ومن كان يمتلك القوة هو من كان يدير نفط هذه المدينة.

محمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق، قال في نفس يوم زيارته لبريطانيا في صحيفة التلغراف: "في محادثاتي مع رئيس وزراء بريطانيا وكبار المسؤولين، سأركز على سبل دعم تحسين البنية التحتية وتطوير القطاعات الإنتاجية، وخاصة الطاقة، التي لا تزال العمود الفقري للاقتصاد العراقي. الشركات البريطانية البارزة لعبت دوراً رئيسياً لسنوات عديدة في تطوير حقول نفطية مهمة مثل الرميلة وكركوك. ومؤخراً، تم تعزيز هذه الشراكة من خلال تفاهم جديد مع واحدة من أكبر الشركات البريطانية (BP) لإنشاء مشروع غاز كبير، يشمل تحسين حقول شركة نفط الشمال وإنشاء بنية تحتية واسعة لصناعة النفط."

في المقابل، أعلنت حكومة إقليم كوردستان قبل مغادرة السوداني إلى لندن، عبر بيان، أن "الحكومة العراقية تستعد حالياً للاستيلاء على نفط وغاز هذه المناطق بشكل أحادي الجانب، كما أن الحكومة الاتحادية تسعى لتوقيع عقود نفط وغاز". وهذا يظهر منذ الآن اعتراض حكومة إقليم كوردستان.

وحقيقة أخرى في هذه القضية هي عدم تغير وجهة نظر العراق في إدارة قضية النفط والغاز منذ اليوم الأول حتى اليوم، والتي تتمثل في إدارة مركزية قوية وإدارة داخلية ضعيفة للإقليم والمحافظات في العراق، في حين أن دستور العراق الجديد بعد 2003 نص على عكس ذلك، وهو نوع من اللامركزية الذي عزز دور الإقليم والمحافظات وأضعف سلطة الحكومة المركزية (كمال المهدي، 2006).

                                                    

     عودة شركة BP إلى كركوك بشكل جديد من عقود النفط

بعد سقوط النظام وفي بداية عام 2005، منحت وزارة النفط العراقية حقل نفط كركوك لشركة شل البريطانية وحقل نفط الرميلة لشركة بريتش بتروليوم لإجراء دراسة علمية وكيفية تطوير ورفع مستوى إنتاج النفط في هذين الحقلين العراقيين الكبيرين، لكن بي بي كانت تتطلع إلى كركوك.

في الواقع، إن عودة شركة بريتش بتروليوم (BP) إلى كركوك بعد قرن من الزمن وتوقيع العديد من الاتفاقيات خلال العقد الماضي قضية مهمة، حيث وفقاً لمذكرة التفاهم السابقة بين وزارة النفط العراقية وشركة بي بي، يشمل العقد الجديد حقول نفط باي حسن (قبة بابا وآفانا)، وحقلي نفط جمبور وخباز التي تديرها حالياً شركة نفط الشمال (NOC) التابعة للحكومة العراقية.

قامت الشركة البريطانية منذ عام 2010 بالمشاركة في إنتاج النفط في حقل الرميلة النفطي من خلال عقد خدمات استثمارية، وفي عام 2013 أبرمت اتفاقية استشارية لحقل كركوك النفطي، لكنها لم تعمل فيه بسبب أحداث 2014 حتى 2017. وفي كانون الثاني/يناير 2018، وقعت مرة أخرى اتفاقية جديدة لدراسة تحسين البنية التحتية للحقول وتطويرها، وفي أيار/مايو من نفس العام تم توسيع الاتفاقية لتشمل حقل خورمالة النفطي الذي كان تحت سلطة حكومة إقليم كوردستان، إلا أن هذا أيضاً لم يدخل حيز التنفيذ.

وفي بداية هذا العام أيضاً، تكثفت المفاوضات حتى أنها استمرت خلال أيام العطل حتى وصلت إلى كتابة المسودة النهائية وتغيير العقد من عقد خدمات إلى عقد مشاركة في الأرباح.

يركز مذكرة التفاهم (MoU) الموقعة حديثاً على إعادة تأهيل وتطوير أربعة حقول نفطية رئيسية: حقل باي حسن النفطي، الذي يشمل كلاً من قبة بابا وآفانا، بالإضافة إلى حقلي جمبور وخباز. هذه الحقول، التي كانت تديرها سابقاً شركة نفط الشمال، أصبحت الآن موكلة إلى شركة BP لتحسين الإنتاج وتحقيق معدلات الإنتاج المستهدفة المثلى للنفط والغاز.

كما أن الشكل الجديد للعقد، الذي يقترب أكثر من نموذج المشاركة في الأرباح من عقد المشاركة في الإنتاج (PSA) مقارنة بعقد الخدمات (SC)، يُظهر حقيقة أن العراق لجأ إلى شركات النفط الدولية بعد عقدين لرفع مستوى الإنتاج، وتحديث قدرة معدات الحقول، ووقف حرق الغاز المصاحب، وزيادة مستوى إنتاج النفط، وتصحيح تدهور احتياطي النفط في الحقول.

في الواقع، يختلف الشكل الجديد لعقد العراق للنفط والغاز الذي اتبعه في جولتي التراخيص الخامسة بلس والسادسة عن عقد المشاركة في الإنتاج (PSA) في نقطة واحدة، وهي أن الشركة لا تصبح مالكة أو شريكة في النفط والغاز المكتشف، بل شريكة في أرباح النفط والغاز المنتج والمباع بنسب متفاوتة، حيث وصلت حصة الشركات في العقود السابقة من هذا النوع إلى 32% للشركة المستثمرة، ولنرى كم ستكون حصة BP في كركوك.

شركة BP هي واحدة من أكبر شركات قطاع الطاقة في العالم، والتي وفقاً لاستراتيجيتها كان من المفترض أن تقلل استثماراتها في مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز، وأن تصل إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050 وتحول جميع استثماراتها إلى الطاقة المتجددة. ولكن هذه الاتفاقية في العراق واتفاقيتها السابقة في الكويت تظهر أن الشركة والعالم ما زالا بحاجة إلى مصادر الطاقة التقليدية على الأقل للعقد القادم. 

الختام

حقول نفط كركوك هي واحدة من الحقول في العراق التي تنتج النفط منذ عام 1934، ولم يتم إجراء أي استثمار أو تطوير لزيادة إنتاج النفط حتى الآن، مما أدى إلى انخفاض مستويات الإنتاج والاحتياطي. هذا العقد الجديد للعراق مع شركة BP يهدف إلى إعادة تنظيم قدرة الآبار واستعادة المستوى الطبيعي لاحتياطي الآبار باستخدام التكنولوجيا الحديثة وتطوير الحقول من حيث استخدام المياه أو الغاز للآبار، مما يمكن أن ينقل مستوى الإنتاج من هذه الحقول إلى مرحلة جديدة.

وفقاً للعقد الجديد، ستبدأ الشركة البريطانية بحفر 16 بئراً جديداً وتركيب المعدات اللازمة لمنع حرق الغاز المصاحب وفصل الغاز عن النفط المنتج ونقله إلى محطات الكهرباء. كما سيتم إعادة مستوى إنتاج نفط كركوك إلى حوالي نصف مليون برميل يومياً، حيث أن الحقول الأربعة التي ستستثمر فيها الشركة البريطانية من خلال عقد المشاركة في الأرباح تشكل 98% من إجمالي الاحتياطي المؤكد لنفط كركوك.

ومن حيث الجدوى الفنية والاقتصادية للاستثمار، يتمتع نفط كركوك بأعلى نسبة على مستوى العراق كله، حيث يصل معامل الاستخلاص (Recovery Factor) إلى 58% من إجمالي المصدر، في حين أن حقل غرب القرنة في البصرة تبلغ جدواه الاقتصادية 42%.

وأخيراً، من النقاط اللافتة في هذا العقد الجديد لشركة BP في العراق هو العودة إلى الطاقة التقليدية، في وقت كانت الشركة قد أشارت في تقريرها الاستراتيجي لعام 2020 إلى إنهاء الاستثمار في الطاقة التقليدية وتخصيص الأموال للاستثمار في الطاقة المتجددة والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050 أو قبل ذلك، لكن هذا التحول له دلالاته بالنسبة للنفط والغاز في المستقبل، تماماً كما أن العودة إلى كركوك بعد قرن لها أبعاد أخرى إلى جانب البعد الاقتصادي.

المصادر

Wald, E. R. (2018). Kirkuk's Oil Chessboard. The Cairo Review of Global Affairs, Winter 2018

Al-Mehaidi, K. (2006). Geographical Distribution of Iraqi Oil Fields And Its Relation with the New Constitution. Petroleum Adviser, Revenue Watch Institute.

Share this Post

تحليل